ربما لا يحبذ كثيرون تذكر عام 2009 لأسباب عديدة، فهذا العام حمل معه أسوأ أزمة اقتصادية مر بها العالم منذ الكساد الكبير في بداية الثلاثينيات، وبالفعل فإن العام المنصرم كان عاماً سيئاً بكل المقاييس الاقتصادية والإنسانية. ومع تباشير قدومه تهاوت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها منذ أربع سنوات مما أوجد حالة من الترقب والتردد في الأوساط المالية في البلدان المنتجة للنفط، بما فيها بلداننا الخليجية، إلا أن سرعة تعافي الأسعار جنبتنا الحديث من جديد عن التقشف وشد الأحزمة، تلك المصطلحات التي تداولناها في أواسط الثمانينيات وأواخر التسعينيات، والتي تلاشت من قاموسنا منذ أكثر من عقد من الزمن. وعلى رغم أن اقتصاداتنا لم تعانِ من عمليات إفلاس كما هو الحال في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، إلا أن قطاعات واسعة من المجتمع خسرت معظم مدخراتها في الأسواق المالية والمضاربات المحمومة في قطاع الخدمات والإسكان، وفي هذا الجانب تسجل نقطة إيجابية لصالح الأسواق المالية الغربية التي تعافت سريعاً ليتجاوز مؤشر "داو جونز" عشرة آلاف نقطة في شهر أكتوبر الماضي، وتبعته على نفس الخط مؤشرات بلدان الاتحاد الأوروبي، في حين بقيت مؤشرات أسواقنا الخليجية والعربية بائسة ترتفع قليلا بخجل لتتهاوى من جديد تحت ضغط المضاربات والتشويهات الإعلامية المبالغ فيها. أما المحزن حقاً فهو ارتفاع أعداد الجياع والفقراء في العالم وتقلص إمدادات المساعدات المقدمة لهم بسبب الأزمة المالية العالمية، حيث ازدادت أعداد الجياع 40 مليوناً وفق إحصائيات الوكالات الدولية، كما ارتفعت بصورة ملحوظة أعداد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، هذا إضافة إلى الارتفاع المخيف في أعداد العاطلين عن العمل في مختلف بلدان العالم. هذا هو، باختصار، الجانب المظلم من صورة عام 2009، إلا أننا ينبغي ألا ننسى أن هناك جانباً مضيئاً دون شك، فالأمور لا يمكن أن تكون سوداوية بصورة مطلقة، وإلا لما تمكنا من استقبال العام الجديد بتفاؤل يدعو إلى تقبل الحياة والاستمتاع بجوانبها المفرحة. والحال أن أهم الجوانب المضيئة تكمن في تكاتف دول العالم وتعاونها غير المسبوق لتطويق تداعيات الأزمة، وذلك على رغم تنافسها ونزاعاتها المستمرة، مما أدى إلى بدء التعافي والمباشرة في الخروج من الأزمة بسرعة قياسية، وبأقل قدر ممكن من الخسائر. والأهم من ذلك أن العام القادم 2010 سيكون أفضل من سابقه 2009، فالاقتصاد العالمي، بما فيه الخليجي سيتعافى بشكل عام من تداعيات الأزمة، على رغم بقاء بعض الترسبات التي ستستغرق المزيد من الوقت، وسيتمكن ملايين من الناس من الحصول على وظائف جديدة، وستعاود عجلة الحياة الاقتصادية دورانها الطبيعي، وسيتم تعويض جزء مهم من الخسائر التي تكبدها المستثمرون، وبالأخص الصغار منهم في أسواق المال المحلية والخارجية. ومع ذلك، فإن عام 2010 سيكون عام التقلبات في الأسواق العالمية، وبالأخص في النصف الأول منه، إلا أن المؤشرات العامة ستكون باتجاه الصعود والتحسن، مما يتطلب فهم الأمور ووضعها في نصابها الصحيح. وهناك جانب آخر مهم للغاية يتمثل في الاستفادة من التغيرات التي أحدثتها الأزمة في بنية الاقتصاد العالمي والعلاقة بين أطرافه، فموازين القوى الاقتصادية اختلت بصورة ملحوظة، فتراجعت القوة النسبية للقوى التقليدية وبرزت قوى جديدة تملك قدرات ومقومات لا يمكن تجاهلها، إذ بدأ ذلك واضحاً من خلال تحول مركز الثقل الاقتصادي من مجموعة الثماني إلى مجموعة العشرين التي تضم البلدان الناشئة بقوتها وطموحاتها الاقتصادية والاستراتيجية. هذه دعوة إذن للتفاؤل والفرح بالعام الجديد، مع تمنياتنا للجميع بسنة جديدة سعيدة.