حدثني أحد العاملين في إحدى شركات البترول عن محاضرة شهدها حول البترول وطرائق استخدامه. وكان هذا الشخص قد أثار تساؤلاً حول كمية مداخيل النفط ومجالات صرفها، مقارنة بما تقوم به الولايات المتحدة من عمليات استيراد وتخزين البترول العربي ليكون مخزوناً احتياطياً لأيام الأزمات أو فترة ما بعد نضوب البترول العربي. ويرى أنه لو استمر نزف البترول العربي بهذه الصورة، فإن البرميل الواحد -الذي يباع اليوم بحوالي 60- 70 دولاراً، سيصل أسعارا عالية (معلوم أن منطقة الخليج العربي تحفل بمخزون نفطي يعادل حوالي 44 في المئة من المخزون العالمي، ومخزون الغاز يشكل حوالي 24 في المئة من المخزون العالمي. وتهمين تجارة النفط بمعدل 75- 90 في المئة على صادرات دول مجلس التعاون) وهو مؤشر سلبي آخر على ذلك النزيف. وفي مقابل ذلك فإن المنطقة العربية مقبلة على مشكلات عديدة يتصدرها نقص المياه، وهذا النقص له تأثيرات سلبية على توفير الأمن الغذائي، ذلك أن العالم العربي -على رغم مساحاته الزراعية الشاسعة- إلا أنه لا ينتج الغذاء اللازم، ويستورد من 30- 50 في المئة من احتياجاته الغذائية. ويضاف إلى ذلك: الصرف على الأسلحة، والنزاعات الإقليمية والقرصنة، والأوضاع في العراق وفلسطين والإرهاب والبطالة وسوء استخدام الموارد الطبيعية. ولأن تأمين الأمن الغذائي والماء من أهم القضايا التي يدرسها الخبراء ويوصون الحكومات بالانتباه إليها، فإن طرح مبادرات جديدة لبيع البترول العربي، وإنشاء صناعات ضامنة للأمن الغذائي والمياه من الأمور المهمة جداً. ولقد أحسنَ بعضُ دول الخليج في الاستثمار في الغذاء -في بعض دول شرق آسيا- لزراعة الأرز وبعض المنتجات المهمة، ولكن تلك المشاريع التي حصرت ميزانياتها بين 150- 200 مليون دولار تحتاج إلى توسعة وإشراف دوري، حتى نتأكد من نجاعة تلك المشاريع وأنها ليست "هِبات" بما يحقق أهداف تأمين الغذاء للشعوب الخليجية. كما أن مشاريع المعالجة الآمنة لمياه الصرف يجب أن تتوسع ليكون هنالك منسوب كافٍ لمياه الري، إن رأت بعض دول الخليج إقامة مشاريع زراعية مضمونة. ولقد أنهكت الزيادة الكبيرة في أعداد الوافدين ميزانيات الدول المخصصة لرفاهية شعوبها، فالخدمات الصحية في أكثر بلدان الخليج تعاني من الازدحام في الوقت الذي أصبحت منطقة الخليج محط أنظار الوافدين الذين يأتون بأسرهم للعلاج في المنطقة وبذلك تتعرقل حياة المواطن، ناهيك عن الازدحام المروري الناتج عن كثرة السيارات، وكذلك استهلاك الكهرباء والمياه؛ وفرص التعليم. إن ارتفاع تكوين رأس المال في منطقة بلدان غرب آسيا (الأسكوا) -من 68.8 مليار دولار عام2000؛ بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة العربية؛ إلى 1.151 مليار دولار عام 2006- قد أسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي والمالي في المنطقة. كما أن الاستثمارات الأجنبية قد ارتفعت من متوسط قدره 2.68 مليار دولار بنهاية عام 2000 إلى 29.18 مليار دولار عام 2005 (ويمكن الرجوع إلى تقرير الأسكوا: تقييم اتجاهات السياسة التجارية وأثرها على الأداء الاقتصادي في منطقة الأسكوا، 2009، الأمم المتحدة، ص 39-41). مع وجود تفاوتات في نسب استقطاب الاستثمارات بين دول المنطقة، بالنظر إلى طبيعة التدفقات المالية الأجنبية، وأيضاً في ضوء خصوصيات كل اقتصاد على حدة، لجهة التركيبة القطاعية، والتوجهات التنموية، والقدرة على اجتذاب الاستثمارات. ومع ذلك لم تحدث طفرات اقتصادية كما هو متوقع، ولم يتحسن الأداء الخدمي أو تتطور المؤسسات الخدمية، بل إن الأزمة الاقتصادية الأخيرة قد أثرت نسبياً في بعض دول الخليج. لقد اهتم العالم بموضوع البيئة، وعقدت له قمة خاصة قبل فترة، ولكن ما زالت المنطقة بعيدة عن الاهتمام بهذا الموضوع. كما أن التطورات المناخية، بل والاهتزازات الطبيعية كما حدث في بعض الدول مؤخراً، تعطينا شواهد على الحاجة لتأهيل دول مجلس التعاون لمواجهة تلك الظروف الطبيعية. وإذا لم تتوفر الميزانيات المناسبة لمثل ذلك التأهيل أو تم تأجيل البت فيها، فإن مشاكل عدة ستواجهها المنطقة. ولعل أهم ما يمكن الإشارة إليه في هذا المقام هو مستقبل الأجيال القادمة! هل السياسات النفطية، وعدم وجود صناعة غذائية، وعدم توفر المياه اللازمة سوف تساعد على ضمان مستقبل الأجيال القادمة؟ نعتقد أن الحكمة تقتضي التفكير في المستقبل، على رغم إلحاحات الحاضر، بل المستقبل القريب لا البعيد!