كم يسهل على أحدنا أن يحلل الأحداث ويطلق الأحكام وهو جالس في مكتبه يرقب الوقائع عن بُعد، أو يحلل الأحداث بعد وقوعها لأن نتائجها لا تمسه مباشرة، أو أن ضررها لا يصل إليه أو إلى أحد من أهله وأحبابه. وهكذا يفعل البعض عندما يتحدث عن واقعة محاولة الشاب النيجيري عمر الفاروق تفجير طائرة الركاب المدنية الأميركية "نورث وست"، ويشعر البعض بالتشفي من الولايات المتحدة لنجاح الإرهابي في اختراق الحواجز الأمنية، ويتمنى لو أنه نجح في تفجير الطائرة وقتل ركابها نكاية في سياسة الحكومة الأميركية! ويتناسى أن هذا العمل الإجرامي تحرمه الشرائع السماوية وتجرّمه جميع القوانين في مختلف دول العالم. وأن هؤلاء الركاب لا علاقة لهم بسياسة الحكومة الأميركية، وأن البعض منهم يعارض هذه السياسة أكثر منه، هذا زيادة على كون العديد من الركاب ينتمون إلى جنسيات مختلفة، ومن بينهم شيوخ ونساء وأطفال حرم الإسلام قتلهم حتى في المعارك الحربية. ولو تصور أحدنا أنه كان على متن هذه الطائرة، فماذا عساه يفعل؟ هل سيفرح ويستبشر بعمل هذا الإرهابي ويبتهل إلى الله أن ينجح في تفجير الطائرة؟ أم أنه سترتعد فرائصه ويتملكه الهلع والخوف خشية نجاحه في إشعال فتيل التفجير؟ وليتصور أحدنا أن ابنه أو ابنته أو أمه أو أباه كان على متن تلك الطائرة وسمع خبر محاولة التفجير، فكيف سيكون رد فعله؟! لاشك أنه سيختلف وسيعتبر هذا العمل جريمة بحق الإنسانية، وأن فاعلها مجرم تجرد من إنسانيته، ويستحق أشد العقاب. وسيتغير حكمه على هذا العمل لأن نتيجته تمس شخصه ومن يعز عليه. وهذا بدوره يبرز مدى مشكلة القيم التي نعاني منها في العالم الإسلامي والأهواء التي حلت محلها وأصبحت تحكم البنية الفكرية والنفسية لدينا ومن منظورها نطلق الأحكام على المواقف والأحداث المختلفة. وحادثة محاولة تفجير الطائرة من قبل تنظيم "القاعدة" وردود أفعال النخبة لدينا، أو تجاهلها لهذه الحادثة، نموذج لهذا الخلل القيمي، ومثال على القصور في قدرتنا على تقييم الأحداث والحكم عليها بموضوعية حقيقية تخدم مصالحنا وتحمي مكاسبنا. فلو نظرنا في هذا العمل، هل هو حقيقة خدمة للإسلام ودفاع عنه؟ وهل يحقق مصلحة للمسلمين؟ أم أن أكبر الضرر يقع على الإسلام، وأن الضحايا الحقيقيين في النهاية هم المسلمون؟ لقد استطاع تنظيم "القاعدة" أن يقدم أكبر خدمة في التاريخ الحديث لأعداء الإسلام بأعماله الإرهابية وبياناته الإعلامية، وذلك بإظهار الإسلام على أنه دين القتل وسفك الدماء، وجعل المسلمين أينما كانوا ينظر إليهم على أنهم قتلة ومجرمون، وأصبح المسلمون في النهاية هم الضحية الحقيقية لأعمال هذا التنظيم. وإن الضرر الذي يلحقه ذلك التنظيم بالإسلام لن يستطيع أن يوقفه إلا المسلمون أنفسهم، وهنا يأتي دور النخبة ممثلة بالعلماء والمفكرين وأهل الرأي في المبادرة بالتصدي لهذا التنظيم، وتوعية الأمة بخطورته وبراءة الإسلام من أفعاله.