بالتأكيد لن نتكلم عما حدث في عام 2009 فقد كان عاما حافلا بالأحداث التي لن ننساها ولن تمحى من ذاكرتنا لسنوات طويلة. لذا فإننا نبني كلامنا اليوم عن العام المقبل 2010 على ما حدث في الأشهر الاثني عشر التي مرت من هذا العام والتي شهدت أياما حلوة وأخرى مرة. محليا أكدت الإمارات للعالم مرة أخرى متانة اتحادها، وأن ما يصيب إحدى الإمارات يصيب الأخرى وأن أبوظبي لا تتخلى عن أي من إمارات الدولة في أي وقت من الأوقات وأنها تعمل دون توقف للمحافظة على هذا الاتحاد قوياً وشامخاً ومزدهراً. أما ما نحتاج إليه محليا في عام 2010 فهو اهتمام أكبر بـ"مجتمع الإمارات" والمواطن الإماراتي الذي يبدو أنه بحاجة للالتفات إلى مشكلاته الاجتماعية المستجدة في العقد أو العقدين الماضيين، وكذلك بعض المشكلات النفسية التي لم يكن لها وجود في السابق... وذلك من خلال العمل على تطبيق دعوة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله للتلاحم المجتمعي، وانطلاقاً من خلال حصر مشكلات المجتمع لمواجهتها ومن ثم وضع الحلول المناسبة والعملية لتلك المشكلات. وتتعين الاستفادة من مبادرة التلاحم المجتمعي التي أطلقتها وزارة شؤون الرئاسة مؤخرا والتي تدعو إلى وضع آليات من أجل مجتمع مترابط وقوي. ومن منطلق هذا التلاحم المجتمعي الذي يفترض أنه متواصل ومستمر ويستهدف الأجيال المقبلة بشكل أكبر فإنه يفترض أن نفكر في الأجيال المقبلة ونعمل على تأمين مستقبلها. وللتفكير في المستقبل لا يمكننا أن نتجاهل ما حدث في عام 2009 حين بدأ بهبوط أسعار النفط بشكل كبير إلى نحو 40 دولاراً للبرميل، ودخل العالم أسوا فترة ركود منذ عام 1945 وكان الجميع متخوفين من هبوط أكبر لأسعار النفط، لكن الأسعار عاودت الصعود من جديد لتصل 70 دولاراً للبرميل. إن انخفاض أسعار النفط والأزمة المالية العالمية وغيرها من تطورات الاقتصاد الدولي... تجعلنا نفكر مجدداً في إنشاء صندوق للأجيال القادمة كما هو الحال في كثير من دول العالم للادخار والاستثمار لأجيال المستقبل... فالعالم يتغير بشكل سريع، والمواطن الإماراتي صار يتأثر بالتغيرات العالمية لذا فمن المنطقي أن نفكر في ضمان مستقبل الأجيال القادمة بتوفير ما يجعل مستوى حياتهم مساويا لمستوى المعيشة التي نعيشها اليوم، فنحن نعيش اليوم في مستوى مادي متميز في ظل الازدهار الاقتصادي الذي تشهده الدولة منذ سنوات عديدة، وكذلك في ظل ارتفاع أسعار النفط خلال الأعوام الأخيرة. لكن ما شهده العالم في عام 2009 يجعلنا نتوقف أمام ما حدث ونفكر بشكل أكثر عمقا في المستقبل، خصوصا فيما يتعلق بالموارد التي يمكن من خلالها أن يعيش أبناء الإمارات. وصحيح أن هناك عملا دؤوبا لتنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية، لكن وجود هذا الصندوق صار أمرا ضروريا في نظري. كل شيء يقوم على الإنسان، والإنسان المنتج يُبنى من خلال تعليم سليم وقوي لذا فإننا بحاجة إلى تقييم موضوعي وصادق لتجربة التعليم في الإمارات وإعادة النظر في نتائج مشاريعها التي تم تنفيذها في عام 2009 والأعوام التي سبقتها، ومحاولة إيجاد حلول واقعية لمشكلات التعليم. ومن المهم أن تكون هذه الحلول نابعة من واقعنا وليست مستوردة ومفصلة على مقاسات الآخرين. فمسألة التعليم جوهرية وحساسة والتطور الحقيقي يبنى عليها لأن التطور الحقيقي إنما يبنى على أبناء البلد. فإذا كان تعليمنا قويا فإن اعتمادنا على أبناء الإمارات سيكون كبيراً ولن نحتاج إلى استيراد العقول من الخارج بل سنصل بنتائج التنمية والتطوير إلى المستوى الذي نريده ونتمناه جميعا. وعلى الصعيد العالمي فإن أكبر وأهم تغيير شهده العالم سياسيا خلال 2009 كان خروج الرئيس بوش الابن من البيت الأبيض ودخول الرئيس الأميركي الجديد أوباما إليه. والعالم بأسره كان يعلق آمالا كبيرة على أوباما، لكن يبدو أن كثيراً من تلك الآمال لن تتحقق. وما يهمنا نحن في الخليج والشرق الأوسط هو قضيتان نتمنى أن تجدا حلا في عام 2009، لكن من الواضح أنهما ظلتا عالقتين وسيتم ترحيلهما إلى عام 2010: الملف النووي الإيراني، والقضية الفلسطينية. ورغم محاولات أوباما تنفيذ وعوده التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية وتحقيق رؤيته للعالم، فمن الواضح أنه في السنة الأولى من رئاسته واجه كثيرا من التحديات واصطدم بواقع أكبر وأصعب مما كان يتوقعه؛ فالحروب التي بدأها سلفه بوش في أفغانستان والعراق والتي كان أوباما نفسه يريد وضع نهاية لها، فضلا عن حربه الكبيرة على الإرهاب، كلها ما تزال مستمرة، وبدل أن يتراجع خطوة إلى الوراء في هذه الحروب نجده يرسل آلافا من الجنود إلى أفغانستان. ومما يقلق البعض في هذا الموضوع، خلال 2010، أن الأمر قد لا يتوقف عند هاتين الحربين -رغم الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لا تحتمل خوض حرب ثالثة- وإذا ما حدث واندلعت هذه الحرب فسيكون الأمر محبطا لكل من بذل جهدا كبيرا مع الإدارة السابقة لإقناعها بفداحة خسائر هذه الحرب إذا ما اندلعت وتأثيراتها السلبية على أمن واستقرار العالم. أما الملف الآخر فهو القضية الفلسطينية وخطة أوباما للسلام التي وأدتها إسرائيل قبل أن تولد ووضعت نهاية لمحاولة التوصل إلى حل سريع لهذه القضية من خلال رفض إسرائيل وضع نهاية للاستيطان في الضفة الغربية وتجاهلها الضغط الأميركي في هذا الشأن، فصارت الأمور في هذه القضية "محلك سر" في 2009 فهل سيشهد العام 2010 تغيرا أو تحركا أميركيا جديدا في هذه القضية؟ مهما كانت نتائج العام الماضي فإننا نأمل أن يكون العام المقبل عام خير على هذا الوطن وعام سلام علينا وعلى العالم أجمع.