منذ أن أعلنت دولة الإمارات نيّتها الانخراط في برنامج نووي للأغراض السلميّة، عكست خطواتها وقراراتها نموذجاً لافتاً للنظر وموثوقاً به في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النوويّة على المستويين الإقليمي والعالمي. ولعلّ "وثيقة السياسة العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة في تقويم إمكانية تطوير برنامج للطاقة النووية السلميّة"، التي أصدرتها العام الماضي، كانت علامة بارزة في هذا الخصوص لما انطوت عليه من رؤى واضحة حول الأهداف والمبادئ والحاجات ومعايير الأمن والسلامة وغيرها، وهذا ما يفسّر التقدير الدولي لهذه الوثيقة، وإعلان أكثر من دولة كبرى استعدادها للتعاون مع الإمارات في برنامجها النووي، إضافة إلى "الوكالة الدولية للطاقة الذريّة". وقد جاء اختيار "مؤسسة الإمارات للطاقة النوويّة"، مؤخراً، تحالف شركات ترأسه الشركة الكوريّة للطاقة الكهربائيّة "كيبكو" لتصميم محطات الطاقة النوويّة في الإمارات، وبنائها والمساعدة على تشغيلها، ليؤكّد عدداً من الأمور المهمّة. أول هذه الأمور هو جدّية الدولة في المضيّ قدماً في تنفيذ برنامجها النووي، فمنذ أن أعلنت سياستها في هذا الشأن تمضي بخطوات متتابعة وثابتة في وضع هذه السياسة موضع التطبيق الفعلي. وهذا يعود إلى أمر أساسي هو أن الإمارات تنطلق في ذلك من حاجات تنمويّة حقيقيّة تتعلق برؤيتها أهداف التنمية في الحاضر والمستقبل، وطبيعة حاجتها إلى الطاقة في المجالات المختلفة، فضلاً عن رؤيتها العامة في ما يتعلّق بالطاقة المتجدّدة والنظيفة التي تعطيها أهمية كبيرة، ولديها إرادة قوية في امتلاك أدواتها جعلت العالم يمنح أبوظبي استضافة مقر "الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة" (إيرينا). الأمر الثاني هو الشفافية التي تحرص الدولة على التزامها في برنامجها النووي منذ البداية، بحيث يتم كلّ شيء عبر إجراءات وأطر ومعايير واضحة تماماً أمام العالم ومؤسساته المعنيّة، وذلك من منطلق المبدأ الأساسي الذي تؤمن به الإمارات، وتدعو إليه في سياستها الخارجيّة على الدوام، وهو حظر الانتشار النووي، وإخلاء منطقة الخليج والشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. الأمر الثالث هو التطبيق الصارم للمعايير التكنولوجية المتقدّمة التي وضعتها الدولة في ما يتعلّق ببناء محطاتها النووية حتى تضمن تحقيقها الأهداف التنموية المرجوّة منها، فقد استغرقت "مؤسسة الإمارات للطاقة النووية" عاماً كاملاً في دراسة العروض المقدّمة إليها حتى وقع اختيارها على تحالف الشركات بقيادة الشركة الكورية، واشترك في دراسة هذه العقود فريق مكون من خمسة وسبعين خبيراً في مجالات متعلقة بالطاقة النووية يمتلكون خبرات كبيرة ومتراكمة. وقد جاء اختيار مجموعة الشركات التي ستتولّى تنفيذ البرنامج النووي استناداً إلى معايير محدّدة تركز بشكل خاص على معايير الأمان والسلامة النووية، ونقل التكنولوجيا، والمساعدة على إيجاد كوادر بشرية إماراتية، إضافة إلى الأبعاد التجارية والاقتصادية التي تتعلّق بالتكلفة. الأمر الرابع هو أن الإمارات، وهي تدخل عصر الطاقة النووية السلمية، تدرك أهمية هذه الطاقة وموقعها في مسيرتها التنمويّة، ولذلك فإنها حريصة على أن تضع الأساس القوي لهذا التوجّه التنموي، سواء تعلّق الأمر بالمبادئ أو الأطر التنظيمية والمؤسسية، أو الكوادر البشرية. إن سياسة الإمارات النووية، بعناصرها ومضامينها كلّها، تمثل نموذجاً رائداً للجمع بين الاستفادة التنموية من الطاقة النوويّة، وفي الوقت نفسه وضع المعايير كلّها التي تحول دون أيّ انتشار نووي، أو إخلال بالأمن والسلام محلياً أو إقليمياً أو دولياً. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية