هذا هو الوقت من العام الذي يتم فيه اتخاذ القرارات الجديدة، أو بمعنى آخر، هذا وقت يتم فيه جرد حساب الماضي، ووضع أهداف المستقبل. وآفاق العالم العربي الممزق بالصراعات، والمكتظ بالسكان، والمنقسم، تظل بعيدة عن الإشراق... وبالنسبة للنخب العربية، ليس هناك من شيء أكثر إلحاحاً في الوقت الراهن من النظر في المستقبل، باستخدام أكثر وسائل التنبؤ فعالية، من أجل ضمان رفاهية الأجيال القادمة. ومن أوائل الخطوات النافعة التي يمكن للقادة العرب الإقدام عليها، تشكيل لجنة تضم أفضل العقول التي يمكن حشدها من اقتصاديين، ورجال صناعة، ومخططين اجتماعيين، ثم تكليفهم بوضع برنامج تنمية لعصر ما بعد النفط. ويجد البعض أنه من الصعب عليهم تصديق أن عصر النفط الذي استمر لما يقرب من قرن من الزمان الآن سينتهي في بحر 20 أو 30 عاما. وهم يرون أن هذه الفترة أقصر مما ينبغي للقيام بصياغة خطة للمستقبل. بالنسبة لمنتجي النفط، سيشهد العقد الجديد - بلا شك - رفاهية ورخاء كبيرين... حيث تقدر وكالة الطاقة الدولية أن الدول الأعضاء في الأوبك سوف تحصل على ما يقرب من 24 تريليون دولار خلال الفترة الواقعة بين الآن وعام 2030، وهو ما يعادل أربع مرات المداخيل التي حققتها من بيع النفط خلال الفترة 1985 و2007. ولكن معظم الخبراء يتفقون على أن الطلب العالمي على النفط والغاز، اللذين يمثلان معا المصدر الرئيسي للثروة العربية سيبدأ في التقلص بشكل حاد في الفترة التي تبدأ تقريباً من العام 2030 فما بعده. وهنا يطرح سؤال نفسه: ما الذي سيفعله العرب حينئذ؟ أي ما الذي سيعتمدون عليه للحصول على الموارد اللازمة للإنفاق على خطط التنمية وتسيير الحياة في دولهم، التي لا بد وأن أعداد سكانها سوف تزيد كثيراً عما هي عليه الآن بالفعل؟ لا شك أن هذه الأسئلة سوف تقود إلى إجابات لا تخرج في مضمونها عن أن تلك الدول يجب أن تخصص كل دولار تكسبه في الوقت الراهن من أجل الإعداد لمستقبل سوف تتناقص فيه عائداتها من النفط إلى حد كبير. وهناك العديد من المؤشرات والدلائل التي يراها الجميع. أولًا، لم يعد بمقدور أحد تجاهل الدلائل على حدوث تغير مناخي. فخلال السنوات القليلة الماضية عانت عشر دول على الأقل من عواصف عنيفة وفيضانات وقحط، بل إن الولايات المتحدة تواجه هذا الشهر ظروفا جوية تعتبر هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخها كله. قد لا تكون قمة المناخ التي أجريت في العاصمة الدانمركية كوبنهاجن قد أفرزت ذلك النمط من الاتفاقيات والمعاهدات الملزمة التي كان الكثيرون يتمنونها ولكن الشيء الذي لا شك فيه أن تخفيض الانبعاثات الكربونية، قد باتت الآن على أجندة الجميع كما أن شعار"انقذوا الكوكب"، قد أصبح هو الآخر شعاراً يتردد صداه في أركان المعمورة الأربعة. بعبارات مبسطة يعني ذلك - تخفيض الانبعاثات - استبدال النفط والغاز بمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة النووية، وطاقة الرياح، وطاقة الأمواج، والطاقة الشمسية، وأي طاقة نظيفة أخرى يمكن للعقل البشري استنباطها من مصدر معين. وليس من قبيل المبالغة القول إن الدول الكبرى في العالم قد شرعت في حملة محمومة للبحث عن مصادر الطاقة البديلة. ومما يشار إليه في هذا الصدد أن "باراك أوباما" رئيس أكبر اقتصاد في العالم قد تحدث مراراً وتكراراً عن أهمية الحاجة لتحرير الولايات المتحدة من الاعتماد على النفط الخارجي. والتغير في التحول من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة المتجددة قادم بأسرع مما كان متوقعاً بكثير، فعلى سبيل المثال، سيتم بيع السيارات الكهربائية من جميع الأنواع على نطاق واسع في الصين، والولايات المتحدة، وأوروبا خلال فترة يقدر الخبراء أنها لن تزيد عن 12- 18 شهراً. يعني هذا أن ماكينة الاحتراق الداخلي، التي تتسم بالشراهة في استهلاك النفط والتي نعرفها جميعاً، والتي عانينا منها جميعا، سوف يتم الاستغناء عنها بشكل تدريجي لصالح السيارات التي تعمل بمصادر الطاقة المتجددة وأهمها الطاقة الكهربائية. ليس هذا هو السبب الوحيد لقلق الدول العربية. فخلال السنوات من 1970 إلى 2010 ارتفع عدد سكان الدول العربية بنسبة 180 في المئة، أي من 112 مليوناً عام 1970 إلى 313 مليوناً في الوقت الراهن. والأنباء الطيبة في هذا السياق، هو أن معدل النمو السكاني ينخفض الآن وأنه خلال السنوات الأربعين القادمة - من 2010 إلى 2050 سوف ينمو السكان في البلاد العربية بنسبة 62 فقط، أي أقل من ثلث نسبة النمو خلال السنوات 1970 -2010. ولكن هذا سيعني أيضاً شيئاً آخر: سيعني أن نسبة الشباب إلى إجمالي عدد السكان ستقل لتصبح 25 في المئة عام 2050 مقارنة بنسبة تتراوح ما بين 35 إلى 50 في المئة في الوقت الراهن. وخلال تلك الفترة سيزداد عدد كبار السن كثيراً جداً مقارنة بما هو عليه الآن.. وتشير الإحصائيات أن 43 مليون عربي فوق 70 عاماً سيكونون بحاجة إلى الرعاية الصحية بحلول 2050. في اجتماعهم الـذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة في العشرين من ديسمبر الجاري اطلع وزراء التنمية والشؤون الاجتماعية العرب على وثيقة صادمة أعدها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالتعاون مع جامعة الدول العربية. وهذه الوثيقة تطالب حسبما جاء في نصها "بشيء لا يقل عن عقد اجتماعي جديد بين منتجي النفط والدول الأقل تنمية" من أجل القضاء على الفقر في المنطقة. في الوقت الراهن توجد فجوة فاضحة في الحقيقة بين الدول الغنية والدول الفقيرة في المنطقة العربية. فدخل الفرد من الناتج القومي الإجمالي في دولة مثل الكويت يصل إلى 54 ألف دولار، في حين لا يزيد في السودان عن 2.200 ألفين ومئتي دولار، وفي قطر، يصل هذا المعدل إلى 76 ألف دولار مقارنة بما يزيد بقليل عن 1.000 دولار في فلسطين. وفي دول مثل المغرب واليمن وسوريا تزداد معدلات عدم المساواة تفاقماً في الوقت الذي تكافح فيه مصر من أجل إطعام 80 مليون نسمة. جاء في تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة - الجامعة العربية، أن معدل بطالة الشباب في العالم العربي قد وصل إلى7 .25 في المئة وهو معدل يفوق مثيله في أي منطقة أخرى من مناطق العالم. ومن أجل الحيلولة دون تفاقم هذا الوضع أكثر مما هو عليه الآن بالفعل سوف تكون هناك حاجة لخلق 51 مليون وظيفة خلال العشر سنوات القادمة وهو احتمال مخيف للفعل يتجاوز بكثير إمكانيات معظم الدول العربية. الأكثر من ذلك أن تقريراً صادراً من"اليونسكو"، يشير إلى أن 40 في المئة من العرب فوق سن 15 عاما هم من الأميين، وأن ستة ملايين طفل في سن الدراسة لا يجدون مدارس يذهبون إليها. بينما تلوح بشائر العام الجديد في الأفق، فإن القادة العرب يجدون أمامهم قدراً كبيراً من الموضوعات والمشكلات التي يمكن أن تثير قلقهم.