بعد كوبنهاجن: تقارب بين باريس وبكين... ونهاية سنة "إيجابية" في واشنطن خلفيات التقارب الفرنسي- الصيني الراهن، وآفاق ما بعد فشل قمة كوبنهاجن، ونهاية العام الإيجابية لرئاسة أوباما، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. "فيُّون" يخطب ود الصين: زيارة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون للصين استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الجهوية الفرنسية، لجهة دلالتها على محاولات باريس التقرب من بكين، خاصة بعد الشد والجذب القويين بين الطرفين خلال قمة المناخ الأخيرة في كوبنهاجن. في افتتاحية "لونيون" اعتبر الكاتب هيرفيه شابو أن محاولات التقارب الراهن بين البلدين بدأت وتيرتها تتسارع منذ لقاء ساركوزي مع "هو جينتاو" على هامش قمة "مجموعة العشرين" في لندن، وإن ظل التوازن الهش في العلاقات هو عنوان المرحلة. ولكن رغبة باريس في تقوية الشراكة مع العملاق الآسيوي ظلت تتزايد، وهو ما دفعها لقناعة سياسية مؤداها ضرورة إبعاد العلاقات الثنائية عن كل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية، لكلا البلدين. ومن هذا المنطلق يمكن فهم تصريح "فيُّون" بأن تسوية مشاكل الصين الداخلية أمر يخص الصينيين دون غيرهم، مهنئاً إياهم على ما حققوه في مجالي الاقتصاد وترسيخ دولة القانون. ولاحظ الكاتب أن رئيس الوزراء الفرنسي، المعروف بالبراغماتية، تجنب الحديث عن موضوع حقوق الإنسان، بشكل خاص، ولم يشر إليه إلا بلمسات لفظية صغيرة، وغير مباشرة. وختم الكاتب بالقول إن الدوافع واضحة، فمقابل العملاق الصيني اليوم لا تملك فرنسا، محدودة القدرات، سوى القليل من أوراق الضغط. وفي افتتاحية ثانية كتبها "ديدييه لوي" في "لوكورييه بيكار" قال إنه لا يكاد يوجد الآن خلاف على مسؤولية الصين عن فشل قمة المناخ الأخيرة، ومع ذلك فإن باريس قررت، على ما يبدو، طي صفحة كوبنهاجن، لأنه لا يوجد أمامها خيار آخر سوى الإذعان لإغراءات اتباع السياسة الواقعية تجاه سوق هائلة بحجم الصين، وفي مواجهتها باعتبارها قوة عظمى صاعدة آخذة في تقاسم إدارة العالم إلى جانب القوة العظمى الأميركية. واعتبر الكاتب أن المقاربة التي يتبناها "فيون" تجاه بكين، التي تعطي الأولوية لمقتضيات الشراكة، هي الأكثر واقعية إذا ما قورنت بطوباوية مقاربة دعاة الديمقراطية في الغرب القائمة عادة على إلقاء دروس ومواعظ لاهوت الديمقراطية على الأطراف الدولية الأخرى، وعلى نحو غالباً ما تتكرس فيه حالة الانفصال الكامل عن تعقيدات الواقع وإكراهاته. فشل كوبنهاجن... عابر أم مستدام؟ وغير بعيد عن الصين، ومسؤوليتها المزعومة عن فشل قمة المناخ في كوبنهاجن، اختار الكاتب بيير روسلين السؤال أعلاه عنواناً لافتتاحية في صحيفة لوفيغارو، أكد في مستهلها أن الحقيقة المرة التي تكشّف عنها مؤتمر كوبنهاجن هي استحالة قيام حكامة عالمية متفق عليها، وذات أهداف طموحة، لصالح الإنسانية جمعاء. وفي هذا السياق يقول المفرطون في التفاؤل إن الوقت ما زال مبكراً على التوصل إلى اتفاق من قبيل ما كانت الآمال الاستباقية تتوقع اجتراحه في العاصمة الدانمركية. كما أن أوباما حضر إلى القمة دون أن تكون في يده الضمانات الكافية بأن الكونجرس سيصادق على تشريعات مواجهة التغير المناخي، وهذا ما جعله غير قادر على الالتزام بتعهدات دولية ذات شأن. وبكين لم تساعده من طرفها، بل غلبت منطق مصالحها الاقتصادية الخاصة. ولذا فإن السؤال الآن هو: هل من الممكن تحقيق اتفاق، أو تسجيل اختراق، في مواجهة التحدي المناخي، خلال سنة 2010، أو حتى فيما بعدها؟ في هذه اللحظة يمكن القول إن السؤال يبقى مفتوحاً على أكثر من أفق، غير أن أجواء الكآبة والتشاؤم الراهنة حيال المسألة المناخية تبقى مبررة، على كل حال، في ضوء النهاية الفاجعة لقمة كوبنهاجن، بعدما فرضت أميركا والصين، أو بعبارة أخرى مجموعة "الاثنين" G2 أجندة الفشل وسدت آفاق القمة، مدعومة من قبل الهند ودول بازغة أخرى عديدة. ولكن مع ذلك فليست في الأمر مفاجأة إذا تذكرنا أن العملاقين الصيني والأميركي ظلا أيضاً في حل من الالتزام ببروتوكول "كيوتو"، شعوراً منهما برغبة في عدم قبول أية اتفاقات ملزمة لخفض الانبعاثات، على رغم أنهما هما أكبر مصدرين عالميين للانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. وفي المقابل اعتبر الكاتب روسلين في نهاية افتتاحيته أن أوروبا المثالية الحالمة فيما يتعلق بالمسألة المناخية وجدت نفسها في النهاية معزولة، وخاصة أنها لا تستطيع تعبئة الدول النامية ضد الصين، هذا زيادة إلى أن الرئاسة الدانمركية للقمة لم تكن في مستوى رهان بهذا الحجم والزخم. وفي افتتاحية لصحيفة ليبراسيون وصف لوران جوفرين حصيلة القمة بأنها كانت، بالمختصر المفيد، مهرجاناً صاخباً من العجز الدبلوماسي والحمائية العمياء، فقد تآمرت القوى العظمى على اتفاق ملزم صورت للحالمين سذاجتهم أنه كان في المتناول في كوبنهاجن. غير أن هذا الفشل الذريع في التوافق على حكامة عالمية، ولو في حدودها الدنيا، ينبغي أن يعاد الآن التفكير العميق في أسبابه، وهنا يتعين على الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى دوره الطليعي العالمي، مواصلة جهوده لتجاوز تبعات وتداعيات إخفاق كوبنهاجن. مكاسب لرئاسة أوباما: اعتبرت افتتاحية لصحيفة لوفيغارو أن مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي أخيراً على مقترح إصلاح نظام الرعاية الصحية جعلت سنة أوباما الأولى في الرئاسة تنقضي على دفع الإنجاز، وفتحت أمامها آفاقاً وهوامش تحرك جديدة، في وقت كانت تعاني فيه من مصاعب حقيقية. والملفت في قانون إصلاح الرعاية المذكور أنه يسلط الضوء على بعض خصوصيات النظام السياسي الأميركي بما يعرفه من استقطاب حزبي حاد، فلو كان نظام من هذا القبيل اقترح في إحدى الدول الأوروبية لما أثار كل هذا السجال الذي أثاره في أميركا، حيث إنه يتعلق بتوفير الرعاية الصحية لأكثر من ثلاثين مليون أميركي كانوا محرومين منها حتى الآن. وما دام عائق مجلس الشيوخ قد تم تجاوزه فإنه يتوقع أن يتم تمرير التشريع في موعد قبل خطاب أوباما عن "حالة الاتحاد" أمام الكونجرس يوم 21 يناير المقبل، وهو موعد يصادف بالضبط مرور سنة على دخوله البيت الأبيض. واستكمال تمرير التشريع المقترح يكتسي أهمية سياسية خاصة بالنظر إلى استحقاقات الأجندة الانتخابية الأميركية، إذا تذكرنا آثاره على انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر من العام المقبل، وفرص "الديمقراطيين" فيها. فإذا تمكن أوباما من فرض خطته، إضافة إلى خطة التحفيز الاقتصادي، فستكون إدارته قادرة على الحديث حينها عن حصيلة مشرفة، في سياق الحملات الانتخابية. ووراء الحسابات السياسية فقد تحول إصلاح نظام الرعاية الصحية خلال الأشهر الأخيرة إلى ما يشبه التحدي المصيري بالنسبة لرئاسة أوباما، ومن المعروف أن النظام البرلماني الأميركي صمم أصلا لإعطاء الأقلية القدرة على تعطيل بعض التشريعات. وهذا ما تعمد "الجمهوريون" الاستفادة منه لعرقلة مشروع أوباما السياسي الطموح، في مجمله وتفاصيله. ويتوقع أن يشهد التشريع المتعلق بالاحترار العالمي سجالات شبيهة أيضاً عندما يعرض على المشرعين في مجلس الشيوخ. ولكن إذا تمكن أوباما من تمرير رؤاه في الملفات الداخلية، وتجاوز بالتالي مطبات خصومه "الجمهوريين"، فإن ذلك سيزيد من رصيده السياسي، على نحو تتحول فيه قوة موقفه داخلياً إلى رافعة لسياساته الخارجية. إعداد: حسن ولد المختار