كشف أحد الدبلوماسيين العرب المخضرمين أن كل المحاولات العربية لتجاوز العقبات التي تضعها إسرائيل أمام التسوية السياسية العادلة، تتعرض للإجهاض، وقال إن هذا الإجهاض يحدث في مؤسسات الأمم المتحدة، لأن الدول الكبرى تمنع صدور أي قرار لا ترضى عنه إسرائيل، وهو أمر يعني أن رغبات إسرائيل السياسية تتمتع بحصانة دولية. هذا الكشف يدعوني إلى التساؤل حول أمرين، الأول مستقبل المحاولات العربية الحالية لاستصدار قرار من مجلس الأمن، يعترف بإقامة الدولة الفلسطينية على كامل أرض الضفة وغزة بعاصمة هي القدس الشرقية، والثاني هو مدى الحصانة الداخلية التي تتمتع بها الأطماع التوسعية الإسرائيلية في الضفة الغربية والتي تضعها الجماعات الدينية اليهودية في موضع الوصايا الدينية الملزمة لكل يهودي. فيما يتعلق بالأمر الأول يجمع السياسيون العرب على ضرورة انتظار ما ستسفر عنه وعود الرئيس الأميركي أوباما حول تحقيق رؤية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ومن المؤكد أن لدى هؤلاء السياسيين مبرراً لعدم فقد الأمل من إمكانية التحرك الأميركي الفعّال، فالبديل أمامهم سيكون القيام بمحاولة يعرفون مقدماً أنها ستجهض بالفيتو الأميركي - لإقناع أعضاء مجلس الأمن بإصدار قرار إنشاء الدولة الفلسطينية. إن التجارب التي تعرض لها حلم التسوية وإقامة الدولة منذ انطلاق عملية التسوية في مؤتمر مدريد 1991، تؤكد الاستراتيجية التي أعلن عنها في ذلك الوقت رئيس وزراء إسرائيل آنذاك إسحق شامير، لقد أجبر الرئيس بوش الأب بعد نجاحه في تحرير الكويت من قبضة صدام حسين بمعاونة الدول العربية رئيس الوزراء الإسرائيلي "اليميني" على قبول فكرة التسوية السياسية من حيث المبدأ. شامير أعلن بصراحة أنه يقبل على مضض فكرة التفاوض مع الفلسطينيين، وإن استراتيجيته تقوم على مواصلة التفاوض لمدة عشر سنوات أو أكثر. لقد بدت هذه الاستراتيجية لكثير من الساسة العرب في ذلك الوقت استراتيجية وهمية تصدر عن عقل مهووس بالأطماع التوسعية التي لن تجد أحداً يؤيدها في العالم، غير أن وصولنا إلى عام 2010 بعد أيام من استمرار ما يسمى عملية التسوية والتفاوض يجب أن يوقظنا على حقيقة أن شامير كان يعلم جيداً أن استراتيجيته للتسويق هم استراتيجية معتمدة من كافة القوى السياسية في إسرائيل، وأن آخرين سيحملون لواءها بعد رحيله. إن الإدراك العربي لهول الفخ المسمى بعملية التفاوض هو الذي يدفع اليوم نحو فكرة التوجه إلى مجلس الأمن رغم الوعي بأن طريقه مسدود هو الآخر بسبب الحصانة الدولية التي تتمتع بها إسرائيل. إن التساؤل الثاني حول مدى الحصانة التي تتمتع بها الأطماع التوسعية دولياً يفتح أمامنا قوقعة الفكر الديني التوسعي الذي أطلقه الحاخام "كوك" مؤسس حركة "جوش أمونيم"، فلقد اعتبر الحاخام أن الاستيطان في الضفة الغربية ومنع أي محاولة للانسحاب منها بمثابة الوصية الدينية الملزمة لكل يهودي، ولقد كان استناد الحاخام وتلاميذه فيما بعد إلى المرجعيات الدينية في سِفر يشوع بن نون داعياً إلى امتشاق السيف لتثبيت هذه الأطماع في الأرض جرياً على سنة وسيرة "يشوع"، التي تظهر في السِفر الذي يحمل اسمه. لقد أدت هذه الميول من جماعات الاستيطان الديني نحو استخدام العنف إلى تثبيت فكرة الاحتفاظ بكتل الاستيطان وضمها إلى إسرائيل في برامج جميع الأحزاب الإسرائيلية ذات القوة التأثيرية بما في ذلك حزب "كاديما"، الذي يقدم نفسه كحزب للسلام. في نفس الوقت فإن الأصوات المعارضة لهذه الفكرة في إسرائيل راحت تضعف وتشحب يوماً بعد يوم، خصوصاً مع تقلص شعبية حزب ميرتس "اليساري"، وهو الحزب الوحيد الذي كان يطالب بتفكيك المستوطنات، وتسليم الضفة بكاملها لتكون جزءاً من الدولة الفلسطينية. استلهام سِفر "يشوع بن نون"، الذي يحكي عن تجربة اقتحام فلسطين بالسيف بعد الخروج من مصر، خلق حصانة دينية وصهيونية لفكرة التوسع والاستيطان في الضفة، وهي الحصانة التي تجهض في الفكر السياسي لدى الأحزاب الحاكمة أي محاولة جادة لإعادة الأرض لأصحابها العرب، إذاً نحن واقعون بين حجر التوسع وحجر الحصانة الدولية، وما زالت الرحى تدور بنا بين الحجرين.