تعطي الدولة أهميّة كبيرة للقطاع الخاص، وتوفّر له الإمكانات اللازمة لعمله، سواء على مستوى البنية التحتيّة أو الإطار التشريعي، ويستحوذ على جانب كبير من النشاط الاقتصادي الإماراتي، ولذا من الطبيعي أن يكون هناك اهتمام بدوره في توظيف المواطنين، والمساهمة في مواجهة مشكلة البطالة؛ لاسيّما أن الإحصاءات تشير إلى عدم التزام كثير من المؤسسات الخاصة بنسب التوطين المقرّرة، أو التزامها بشكل صوري، وأن القطاع الخاص يمثل في معظمه بيئة طاردة للعنصر المواطن، وهذا يفسر النسبة المتدنّية للمواطنين العاملين فيه مقارنة بالعمالة الوافدة، حيث قدّرت "هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية" (تنمية)، مؤخراً، نسبة المواطنين في القطاع الخاص بنحو 0.6 في المئة فقط! هذا الوضع يدفع إلى التساؤل: لماذا يظل القطاع الخاص طارداً للمواطنين؟ وهل تقع المسؤولية على طرف دون الآخر أم على الطرفين معاً؟ وفي الإجابة عن هذا التساؤل هناك من حمّل العنصر المواطن المسؤولية بحجة أنه لا يحبّذ العمل في القطاع الخاص، إلا أن هناك من يلقي بالمسؤولية كلّها على المنشآت الخاصة التي تتهرّب من التزامات التوطين. إلا أن الدراسة التي أعدّها "المجلس الدولي للأمن والتنمية" حول العمل والتوظيف في الإمارات، ونشِرت نتائجها مؤخراً، ربّما تطرح رؤية متوازنة يمكن أن تمثل أساساً للتعامل الإيجابي مع قضية العلاقة بين القطاع الخاص وعمل المواطنين. وتنطوي هذه الرؤية على ثلاثة عناصر مهمة. العنصر الأول هو أنه في الوقت الذي أكّدت فيه الدراسة أن غالبية المواطنين يفضلون، بالفعل، العمل في القطاع العام، فإنها أرجعت ذلك إلى عوامل ومسبّبات موضوعية من دون التسليم بما يطرحه بعضهم من صور نمطية مغلوطة. وأهم الأسباب التي أشار إليها الشباب الذين تم استطلاع آرائهم، أن القطاع الخاص "يمنح رواتب متدنية، ولا يوفّر الحد الأدنى من الأمان الوظيفي"، إضافة إلى أنه لا يتيح فرصة للترقّي، ولا يوفّر برامج للتدريب ورفع الكفاءة كما يحدث في القطاع العام، فضلاً عن أن ظروف العمل فيه، خاصّة من حيث الإجازات غير مناسبة. وهذا يعني أنه من المهم معالجة هذه الأمور حتى يمكن إزالة العقبات أمام العنصر المواطن في القطاع الخاص. العنصر الثاني هو أن المسؤوليّة عن البطالة لا تقع كلّها على كاهل القطاع الخاص أو مؤسسات التوظيف الأخرى، وإنما هناك جانب منها يقع على كاهل مؤسسات التعليم التي لم تعدّ خريجيها بما يتناسب مع سوق العمل، حيث أكّد بعض أفراد العينة التي شاركت في الدراسة أن ضعفهم في اللغة الإنجليزية كان أحد أسباب عدم تمكّنهم من الحصول على وظيفة. العنصر الثالث هو أن عنصر العمل المواطن لا يرفض القطاع الخاصّ من منطلق مبدئي أو ثقافي أو بسبب ضعف في الطموح وتجنّب الخوض في المنافسة، وإنما لأسباب موضوعيّة سبقت الإشارة إليها، وهذا معناه أن إزالة هذه الأسباب سوف تدفع المواطنين إلى الانخراط بقوّة في المؤسسات الخاصة، والدليل على ذلك أن الدراسة كشفت عن أن 45 في المئة من المواطنين مستعدّون للنظر في إمكانية العمل في القطاع الخاص، وأن المواطنين يرون أنه يوفّر مسيرة مهنية أفضل. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية