لا أستطيع التغافل عن بعض الأمور التي كتبها عدد من زملائي في رسائل إلكترونية وملاحظات خاصة، تتعرض للمسألة المناخية في العالم بعدما سُرقت مؤخراً من وحدة للبحث تابعة لجامعة بريطانية، واستخدمت للتقليل من شأن التغيرات المناخية، وضرب الأسس العلمية التي يعتمد عليها العلماء في التحذير من التغير المناخي وتبعاته الخطيرة على مستقبل الحياة فوق كوكب الأرض. فقد تم البحث في ثنايا الرسائل المسروقة عن الكلمات والجمل التي انتزعت من سياقها ووظفت لتسفيه العلماء ومناقشاتهم كما استغلت عن سوء نية لتضليل جمهور القراء حول حقيقة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، وفي هذا السياق جاء مقال حاكمة ألاسكا السابقة، سارة بالين، المنشور في التاسع من شهر ديسمبر الجاري لتقول فيه "إن الرسائل الإلكترونية التي تم كشفها تظهر أن خبراء المناخ البارزين على مستوى العالم زيفوا المعطيات لإخفاء تراجع حرارة الأرض"، لكن ما لم تشر إليه بالين هو أن الرسالة المذكورة التي تستشهد بها حررت في العام 1999 وذلك بعدما سُجلت أكبر درجة حرارة عرفها العالم في العام 1998 ولم يكن الأمر يتعلق بتراجع عام في درجة حرارة الكوكب، بل فقط بالقياس إلى السنة السابقة، كما أن المعطيات العلمية جميعاً تؤكد ارتفاع درجة حرارة الأرض خلال العقد الأخير الذي سيدخل التاريخ باعتباره الأكثر سخونة. وفي مثال آخر على التضليل الذي لجأ إليه البعض بعدما سقطت في أيديهم الرسائل الإلكترونية المسروقة تم استغلال كلمة "حيلة" التي أشار إليها البروفيسور "فيل جونز" من جامعة "إيست إنجيليا" في وصفه لمعطيات الحرارة على كوكب الأرض. وجاءت ضمن مقالة اشتركت في نشرها معه بدورية "نيتر" في العام 1998، حيث قمنا باستنباط درجة حرارة الأرض بشكل غير مباشرة اعتماداً على وسائط أخرى مثل دراسة الكتل الجليدية والشعب المرجانية، بالإضافة إلى جذوع الأشجار والتغيرات التي لحقت بها على مدى السنين، وباستخدام كلمة "حيلة" في وصف التغيرات كان المعنى المقصود بالإنجليزية هو "الحل الذكي" والتركيز على التبدلات الآنية وربطها بتلك التي سيشهدها كوكب الأرض على المدى البعيد، ولم تكن هناك أسرار نود إخفاءها كما ادعى ذلك البعض، واستنتجوا من بعض الكلمات والعبارات الواردة في الرسائل. ولمزيد من الاطمئنان يتعين على الذين يشككون في ما ورد في المقال قراءة المراجعة التي قامت بها الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة، حيث أخضعت المقال المشترك للدراسة والفحص ودققت في المعطيات والأرقام لتجيزه دون مشاكل، بل إن اللجنة التي أشرفت على دراسة المقال قالت إنها "لم تر أي تضليل يذكر"، وبأنه كان "محاولة نزيهة لتحليل معطيات موضوعية". ومن المغالطات الأخرى التي أثير حولها الكثير من اللغط عبارة "إخفاء التراجع في حرارة الأرض"، التي جاءت في إحدى الرسائل الإلكترونية للبروفيسور "جونز" في إحالة إلى عمل الخبير في الأشجار "كيث بريفا"، فبسبب العلاقة المعروفة بين جذوع الأشجار وحرارة الأرض، تم التركيز عليها من قبل الخبراء، وهي تستخدم لتعقب حرارة الأرض قبل مئات السنين ومقارنتها مع الحالة الراهنة، وقد وثق "بريفا" ظاهرة غريبة يبرزها خشب الأشجار بعدما توقف عن التفاعل مع حرارة الأرض منذ العام 1960. وكان "بريفا" واضحاً في تحذيره من أن الأرقام والمعطيات التي توصل إليها لا تخص السنوات اللاحقة على 1960 بل تقتصر فقط على ما قبلها. والحقيقة أن تناسل نظريات المؤامرة حول التغيرات المناخية إنما تغذيها الانتقادات التي وجهت إلى ورقتين بحثيتين حول حالة الأرض والغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتوصية تقرير اللجنة الحكومية بأن تستبعد على الأقل واحدة من الورقتين، لكن رغم هذا الاستبعاد لم يسع أي من أعضاء اللجنة الحكومية إلى إخفاء معلومات عن الجمهور. وحتى في الانتقادات التي ساقتها سارة بالين لمسألة التغيرات المناخية في ولاية ألاسكا، انطوت على جهل كبير بالحقائق العلمية فقد اعتبرت أن ما تشهده أراضي الولاية الشاسعة من تراجع الكتلة الجليدية وارتفاع درجة الحرارة تدخل في إطار الدورة المناخية العادية، والحال أن جميع التغيرات التي تشهدها الولاية إنما تندرج في سياق الانعكاسات السلبية للغازات المسببة للاحتباس الحراري، التي سبق أن توقعها العلماء. ولا بد هنا من الإشارة إلى المعطيات العلمية التي ما فتئ يقدمها العلماء من أن ارتفاع درجة حرارة الأرض ناتجة عن التدخل الإنساني والإفراط في انبعاث الغازات السامة، وهي مؤشرات فاقعة مثل الذوبان غير المسبوق للكتل الجليدية، وارتفاع منسوب مياه البحر، والتصاعد المستمر لحالات الجفاف، هذا فضلا عن النماذج العلمية التي تتماشى مع هذه التغيرات عندما يحتسب التدخل البشري. ولمن يشككون في خطورة الاحتباس الحراري عليهم أن يعرفوا بأن التحذيرات التي يطلقها العلماء هي ثمرة عقود طويلة من رصد التغيرات المناخية التي قام بها الآلاف من الخبراء على مدى السنوات السابقة، كما أن توصيات الأكاديمية الوطنية للعلوم واضحة بهذا الشأن فهي تؤكد ما توصل إليه العلماء، ولا تنفيه ليبقى الهدف مما أثير مؤخراً من إشاعات هو خلق حالة من البلبلة لدى الرأي العام الدولي تزامنت مع اجتماع قادة العالم في كوبنهاجن لبحث سبل مواجهة التغيرات المناخية. مايكل مان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ علم الأرصاد الجوية بجامعة "بين" الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"