على نهج مؤلفات إريك سكلوزر في كتابه "أمة الوجبات السريعة" وتوماس فريدمان في مؤلفه "عالم حار... مسطح ومزدحم"، ترسم مؤلفة هذا الكتاب الذي نعرضه هنا، "رحلة الطاقة"، خريطة ماضي إدمان أميركا لموارد الطاقة الأحفورية، تمهيداً للبحث عن مستقبل أفضل يقوم على موارد الطاقة المتجددة. فبعد تغطيتها الصحفية لقضايا الطاقة والبيئة لمدة عقد كامل، رأت المؤلفة أن أفضل وسيلة لفهم أزمة الطاقة الأميركية هي الغوص عميقاً فيها لاستجلائها من داخلها. وقد ترجمت المؤلفة هذه القناعة إلى رحلة عملية جابت فيها البلاد شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً لتقف على المشكلة، ترصدها عن كثب، وترسم صورة ميدانية صادقة عنها. وأثناء تصفح القارئ للكتاب، يجد نفسه في رحلة خيالية طويلة، يقف فيها على عمليات الحفر الجارية في بعض حقول النفط البحرية، مروراً بحقول الذرة الشامية في ولاية كنساس، ثم قسم لوجستيات الطاقة في البنتاجون، وشبكة مدينة نيويورك الكهربائية، وصولاً إلى أحدث معامل تكنولوجيا الطاقة التي تعمل على تطوير موارد الطاقة البديلة النظيفة. ثم هناك أسئلة عديدة تثيرها هذه الرحلة المشوقة: كيف أصيبت أميركا بإدمانها المفرط للنفط وغيره من موارد الطاقة الأحفورية الملوثة للبيئة؟ هنا تقف الكاتبة على سنوات وتواريخ بعينها. أولها عام 1897 الذي شهد إنشاء أول محطة للطاقة على نطاق العالم كله، ألا وهي محطة "توماس إديسون". ثم هناك أيضاً عام 1901 الذي فتح الطريق أمام سهولة الحصول على موارد الطاقة الرخيصة. وهناك ذلك اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس روزفلت والعاهل السعودي الراحل، والذي دشن عقوداً من إدمان أميركا لنفط الشرق الأوسط على وجه الخصوص. تضاف إلى عوامل الإدمان هذه، سياسات جنرال موتورز التي غلبّت خيار تصنيع السيارات الكبيرة "الشافطة" للوقود، بدلاً من صنع السيارات الصغيرة ذات الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة منذ تأسيسها. تقول الكاتبة ليتل، إن وفرة طاقة النفط والفحم الحجري ساهمت كثيراً في بناء القوة العظمى الأميركية، رغم ما تمثله موارد الطاقة الأحفورية هذه من مخاطر سياسية بيئية لأميركا والعالم كله. لكن آن لواضعي سياسات الطاقة أن يدركوا أن ذات البراعة التكنولوجية التي زجت بأميركا إلى فوضى طاقتها العارمة هذه، يمكن الاستفادة منها في الخروج من حالة الفوضى والدوار. وكانت هذه البراعة التكنولوجية المبدعة هي التي رفعت نصيب أميركا من موارد الطاقة الأحفورية إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه بين ليلة وضحاها، ما فتح الباب على مصراعيه أمام ثورة صناعية هائلة. وبفضل مهارة المهندسين والمستثمرين والمبتكرين في مجال تكنولوجيا الطاقة، تحولت تلك الموارد إلى قوة دافعة لثورة صناعية تكنولوجية هائلة في مختلف مجالات الحياة العصرية الحديثة. فعليها اليوم يعتمد قطاع النقل، وبها تفلح الأرض، ويخوض الجيش حروبه، وعليها تعتمد كافة الصناعات الأميركية دون استثناء. وبإيجاز فقد كان للطاقة الأحفورية الفضل في بلوغ أميركا مرتبة الدولة العظمى التي هي عليها اليوم. لكن ها قد انتهى عصر الطاقة الأحفورية الرخيصة والمتوفرة، وتحولت مواردها إلى كابوس بيئي يؤرق البشرية ويهدد الحياة كلها على كوكب الأرض. وعليه فقد آن لأميركا وقف هذا الإدمان بواسطة التخطيط الجدي والسريع لتبني موارد الطاقة البديلة المتجددة. هنا تؤكد الكاتبة أن كافة المعارف والخبرات السابقة في مجال الطاقة، يمكن استغلالها على أحسن نحو في تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة النظيفة. ولا تكتفي المؤلفة بمجرد التشديد على هذه الفرضية النظرية، إنما تتبعها بالفعل التطواف بقرائها على حقول إنتاج طاقة الرياح ومحطات الطاقة الشمسية والحرارية وغيرها، فضلاً عن الوقوف على محاولات توزيعها وتحويلها إلى منتجات طاقة تجارية قابلة للتسويق. إلى ذلك تتفاءل الكاتبة كثيراً بتنامي وعي جديد بقضايا البيئة والطاقة، خاصة في مستوى حركات القواعد الشعبية الناشطة في هذه المجالات. وتشمل اهتمامات هذه الحركات والجماعات، إنشاء المشروعات الخاصة برفع كفاءة استهلاك المجتمعات المحلية للطاقة. وفي رأي الكاتبة أن هذه هي البدايات التي تحمل على التفاؤل بمستقبل أميركي أفضل في مجال الطاقة. عبدالجبار عبدالله الكتاب: رحلة الطاقة: من ماضي الطاقة البحرية بحثاً عن مستقبل الطاقة المتجددة تأليف: أماندا ليتل الناشر: دار "هاربر كولينز" للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2009