ما يحدث من تشنجات تمس النسيج الاجتماعي في الكويت هو انعكاس لغياب ثقافة الديمقراطية، لكونها تحمل معها مفاهيم وتحدد أطر السلوك وأسلوب الحوار وطرق حل النزاع، وتكرس قيم المشاركة وتنمي الحس بالمسؤولية والواجب العام وتخفض حدة الصراع بين الفئات الاجتماعية وتحل قضية التعددية في الولاء وتعلي من قيم المشاركة والمواطنة وتعزز قوة القانون ومفاهيم العدالة وتكافؤ الفرص. تجربتنا العربية فشلت في تعميق مثل هذه المفاهيم وهي مسؤولة عما يحدث من تشويه للعملية الديمقراطية. تحولت الديمقراطية إلى أداة لتعزيز الأطر التقليدية، ووجد الفرد نفسه في صراع بين تعدد الولاءات حيث البشر بطبيعتهم ينحون نحو الهمجية إذا لم تستوعبهم الدولة بمؤسساتها لتطوير سلوكهم الحضاري وتفاعلهم مع بعضهم البعض وقبولهم للآخر. هنا تقع الإشكالية الثقافية الكبيرة التي تعانيها مجتمعاتنا حيث نجد أعرق الأحزاب السياسية في لبنان مثلا ترتكز على الفكرة الفئوية وليس على المواطنة، بل لم تنسج العلاقة بين الخاص والعام، وفي كثير من الأحيان تحدث تقاطعات يعجز الفرد عن حلها فيجد نفسه واقفا ضد المجتمع الذي يعيش فيه ومن ثم يقف في الصف المعارض للدولة كونها كيانا اجتماعيا وسياسيا. وهكذا فإن ما يحدث هو فشل للقوى السياسية التي لم تجعل من ثقافة الديمقراطية أولوية، بل ابتعدت كثيرا عنها وهضمتها باعتبارها عملية اقتراع لإيصال الصوت الفئوي، لذا نرى أن ما يحدث في الكويت هو انعكاس لهذا التشويه الذي أصاب الديمقراطية. والأصعب أننا لم نقف عند هذا الحد بل تمادينا في حربنا ضد بعضنا البعض سعيا إلى تهميش كل رأي مخالف، وحتى من يدعي الليبرالية نجده لا يفقه معناها ولا يدرك أبعادها الاجتماعية بل يتشدق بها وهو يجهل فحواها. الإنسان بطبيعته بحاجة إلى شبكة العلاقات الاجتماعية، وكلما ضاقت شبكته الاجتماعية في التواصل ينحو نحو العزلة وينسلخ من المجتمع ويتطور لديه التصرف العدائي فتتسع المساحة للجماعات الهدامة كي تنفذ إلى هؤلاء لأنها تجد فيهم الوسيلة لنشر العنف وفرض أجندتها المتطرفة. وهو مشهد من المشاهد التي تؤكد لنا صورة الخلل الاجتماعي وكذلك العدوانية والإدمان على المخدرات، فكلها وسائل انسحاب من المجتمع وهي نتيجة للعزلة الاجتماعية. علم الاجتماع يقول بأن الأشخاص المنعزلين اجتماعيا والمنقطعين عن نسيج العلاقات العاطفية والقيم المشتركة، يشعرون بضعف كبير. والواقع أننا بوعي أو بدونه ندفع بهؤلاء نحو مزيد من التمزق الاجتماعي. وفي اللغة الاجتماعية البعض لدينا يكون لديه شعور بالخوف من الآخر ويتنامى عنده الإحساس برغبة التهميش لدى الآخر ومن ثم يحرك أسلحته الدفاعية اللاشعورية وتجده يخوض في بقع الكراهية ضد أبناء مجتمعه. وفي الحالة الكويتية نجد تصاعد الرغبة في العزل الاجتماعي والسياسي، وسطوة للفكر الإرهابي يمارسها الجميع، وليس الأصولية فقط كما يقال، ومن ثم تقف الديمقراطية بنسختها العربية حجر عثرة نحو التطور لكوننا لم نفهم أبعادها وأهملنا قيمها. ولو أخذنا مثال الاستجوابات في مجلس الأمة، فسنجد تعديا على حق الآخر لكون النائب يتمتع بالحصانة لكنه يجهل معناها وتجده يقذف هذا وذاك، وربما تمادينا في اختراق الخصوصية ولم تعد لها قيمة اجتماعية يحكمها القانون ويحدد ركائزها الدستور. هناك إذن فوضى عارمة، فوضى قد تتسع دوائرها وتؤذي النسيج الاجتماعي وتشوه الثوابت التي جبلنا عليها.