تقترب الولايات المتحدة الأميركية من موعد انسحاب جيشها حسب "وعد أوباما"، الذي نتج عنه اتفاقية أمنية يتم بموجبها الانسحاب التدريجي واستلام قوات الأمن والجيش العراقي السيطرة الأمنية على كامل أراضيه! ومع الاقتراب من هذا الموعد الذي سيسبق الاستعدادات لإحياء الذكرى التاسعة من قبل الإدارة الأميركية لكارثة 11 سبتمبر، يزداد دوي التفجيرات في المدن العراقية لاسيما بغداد عاصمة الرشيد، التي عادت إليها السيارات المفخخة بعد فترة هدوء نسبية منذ مطلع العام الجاري. تزايد انفجار "المفخخات" في بغداد وباقي أنحاء العراق، يأتي في وقت تتعقد فيه المفاوضات الغربية مع إيران حول ملفها النووي. التفجيرات ازدادت خلال الآونة الأخيرة كماً ونوعاً، - وفي بعض الأحيان تعلن ما يسمى "دولة العراق الإسلامية" مسؤوليتها عن هذه التفجيرات، فالجميع بات يعلم حرص عناصر تنظيم "القاعدة" على إنهاء حياتهم بعمليات انتحارية حرصا منهم على الوصول السريع إلى "حورهم العين" حسب ما لقنهم ملقنوهم!-. ضعف العراق، وتشتته الذي يعبر عنه أداء حكومته وبرلمانه، أثار شهية البعض للقيام باستكمال تدخلاتهم في الشأن العراقي، وهو ما يتطلب وعياً بخطر هذه التدخلات والحيلولة دون تفاقمها. الآونة الأخيرة شهدت قيام عدد قليل من الجنود الإيرانيين باحتلال بئر "الفكة" النفطية شرق مدينة العماره جنوباً قريباً من حقل مجنون الذي يملك أكبر احتياطي نفطي، وتعتبر بئر رقم 4 المحتلة واحدة من بين أربع آبار يصل مخزونها إلى مليون ونصف المليون برميل؛ ولم ترد حكومة بغداد سوى بالمطالبة بالبحث عن حلول دبلوماسية! وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحقول النفطية الحدودية نقطة في خريطة الخلافات الحدودية بين العراق وإيران منذ عقود من الزمن. ربما تعكس هذه التطورات الأخيرة عدة رسائل بعضها موجه للداخل العراقي، والدول الغربية، أهمها التأكيد على أن هناك أطرافاً تحاول التأثير على خيوط اللعبة في العراق. وضمن هذا الإطار يمكن القول إن البعض يحاول تعرية الحكومة العراقية، وجعلها تبدو أمام العالم، كما لو كانت غير قادرة على حماية أراضيها، وأن الكلمة الطولى في العراق هي لقوى أخرى غير الحكومة العراقية، أو غيرها!، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية، والتجهيزات السياسية لكل الأحزاب وحالات الفرز التي تعيشها. وهناك من يسعى إلى إظهار الجيش العراقي على أنه غير قادر على حماية أراضيه، وتأكيد فقدان الأمن في العراق بإضافة اختراق حي لأراضيه وسيادته عليها؛ ما يحتم على الولايات المتحدة الأميركية الإبقاء على عدد ليس قليلًا من جيوشها على الأراضي العراقية بعد انكشاف هذه الحقيقة أمام العالم. فهل ثمة من يريد بقاء الجيش الأميركي في العراق، ليقترب من مرمى نيران الميليشيات المنتشرة في العراق، ليكون هذا المشهد ورقة ضغط على واشنطن، ولإحداث أكبر ضرر ممكن في الوحدات العسكرية الأميركية؟ وفي ظل الأوضاع الراهنة في بلاد الرافدين، يبدو أنه ليس من مصلحة طهران إخلاء القوات الأميركية للأراضي العراقية، وهي لا زالت تحت التهديد بتوجيه ضربة لها بعد نتائج مفاوضاتها السلبية مع الدول الغربية حول ملفها النووي، ووصول الأخيرة لمرحلة يأس من الحلول السلمية مع إيران إن صدقت التصريحات المعلنة لسياسييها. ويتضح من هذه الخطوة أيضاً أن طهران قد تحاول فرض واقع تريد به إحداث تغييرات جذرية لصالحها على بعض الاتفاقيات المبرمة مع العراق، لا سيما بعد الحرب العراقية- الإيرانية الطاحنة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي. واشنطن تعلم، في ظل التطورات العراقية الأخيرة، أن هناك من يريد استفزازها ودفعها نحو مواجهة مبكرة، ويفسر هذا في التعليق "الفاتر" لرئيس أركان الجيوش الأميركية على حادثة الاحتلال الإيراني لبئر "فكة"، و"ربما" أرادت واشنطن أن تنفرد باختيار وتحديد ساعة الصفر من قبلها للمواجهة العسكرية، لا أن تفرض عليها من قبل آخرين، ما جعل القائد العسكري الأميركي البارز، يدلي بهذا التعليق على التوتر الإيراني- العراقي حول بئر "فكة"، متجاهلًا الالتزام الأمني تجاه العراق حسب الاتفاقية الأمنية بين واشنطن وبغداد. أصبح المجتمع الدولي يدرك حجم الأزمة التي تعيشها المنطقة في ظل عدم الاستقرار في العراق والتوتر بين الغرب وإيران حول الملف النووي للأخيرة، ومحاولة بعض الأطراف الإقليمية إيجاد عدو خارجي لتخفيف الاحتقان السياسي الذي تتعرض له، أو ربما سعيها لإعادة الالتفاف "النسبي" الجماهيري خلف ساستها.