تثير الأخبار الأخيرة عن "مؤتمر المناخ" في كوبنهاجن 2009 قلقاً عميقاً في أوساط العالم عامة، وإن ظهر الأمر أكثر خطراً ومأساوية على صعيد شعوب البلدان الفقيرة. الذين اجتمعوا في العاصمة الدانماركية كوّنوا عدداً من الوفود الدولية، وصل إلى 192، وهذا يُفصح عن إشارة إيجابية إذ أنه يُظهر اهتمام دول وشعوب كثيرة في العالم بذلك الحدث الكبير، ومع ذلك يتضح وجه آخر من المسألة، وهو عدم تمكن هؤلاء من الوصول إلى قرارات عامة وملزمة بخصوص الإسراع في مواجهة الحدث المذكور، بالرغم من أنه يمس الجميع، فالأرض تغلي بكيفية قسرية، خصوصاً في بلدان البؤس والفقر، في حين تتفجر مخاطر ذلك، أي الاحتباس الحراري، أيضاً في بلاد الشمال المغروسة بالمياه المتجلدة، التي قد تنساح باتجاه ما يصعب ضبطه على صعيد بقاع الأرض كلها. ومُلفت أن الكارثة لن تقتصر على قارة دون أخرى، مع أن معظم الدول الفقيرة سيكون نصيبها منها أكثر تأثيراً وخطراً. ورغم ذلك الإخفاق، فقد ظهرت بارقة أمل أولية، تجلّت في عدد من الوعود التي تعهّد بها المجتمعون: إجماع على تخفيض الحرارة درجتين مئويتين، وعلى تقديم مائة مليار دولار سنوياً تُجمع من البلدان الغنية حتى عام 2020، وهذا ما وعدت بتحقيقه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أما الرئيس الفنزويلي شافيز، فقد حمّل الأغنياء والدول الصناعية الكبرى في العالم مسؤولية تدمير المناخ بل الكرة الأرضية بيئياً، وجاء ذلك في أثناء مشاركته في القمة، وأتي في سياق ذلك على أن شبح النظام الصناعي الرأسمالي يخترق كل مكان، مما يعني ضرورة حماية الأرض مما قد يسببه هذا النظام، كما أعلن رئيس الوفد الصيني بأن بلاده ستسهم بمبلغ 300 مليار يورو على امتداد خمس سنوات، دعماً لحماية الكون، وأخيراً عبر أوباما الرئيس الأميركي عن ثقته في نجاح الخطوات البناءة، التي أعلن عنها أصحابها من المشاركين. ويُذكر أنه في الشهر التاسع من عام 2008 كانت منظمة اليونسكو قد رفعت شعار حماية الأرض عبر دعوتها إلى أن "نجعل كوكبنا أكثر أمانة وسلامة"، وكان الإعلام في حينه قد أعلن أن مائة وإحدى وتسعين دولة شاركت في لقاءات للغاية نفسها، التي اجتمع من أجلها البشر في كوبنهاجن، وإذا كان النداء في ذلك الحين، قد توجه خصوصاً إلى العلماء في العالم ويتجاوز عددهم أربعمائة ألف، فإن مجريات كوبنهاجن هذا العام تُظهر أن الخلافات بين المؤتمرين أظهرت أن الخلافات الطافية على السطح بينهم تكمن - بالدرجة الأولى - بين السياسيين، مما أفصح عن أن الأمر المطروح على بساط البحث في ذلك كله يقع في أيدي فئات أخرى كثيرة، منها مثقفون ودعاة حقوق إنسان وفنانون، بل كل من يحس وطأة الأخطار البيئية في عصرنا، إذن يا أيها الحكماء ارفعوا راية عالم نظيف وعادل.