في المقالة السابقة طالبت بـ"قمة خليجية بمستوى التحديات والطموح"، ويبدو أن قمة الكويت خطت خطوة تُحسب للقادة في ذلك الاتجاه على رغم كون التحديات والظروف شاقة ومعقدة. وقد لخص الأمر سمو أمير الكويت في كلمته الافتتاحية للقمة الثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي، بوصفها بـ"اللبنة المباركة". ودعا سموه إلى رص الصفوف وتحويل المجلس إلى تجمع فعال بما يكسبه الثقل والوزن الذي يستحقه قائلاً "إننا وسط هذا المحيط من التطورات والتحديات السياسية والاقتصادية، الإقليمية منها والدولية، لأحوج ما نكون إلى تكثيف جهودنا لدعم عملنا الخليجي المشترك لمواجهة كل تلك التحديات"، وعرّج سموه على المستجدات في هذه القمة بالتضامن مع المملكة العربية السعودية في مواجهاتها العسكرية مع الحوثيين، والوقوف مع اليمن. واستنكر سمو الشيخ صباح الأحمد: "الاعتداءات والتجاوزات بحق المملكة العربية السعودية، من العدوان السافر الذي يستهدف سيادتها وأمنها من قبل المتسللين لأراضيها". وكان مُعبراً عن التضامن الخليجي مع أي من دول المجلس عندما تتعرض لعدوان، مؤكداً على دعم المملكة العربية السعودية في كل الإجراءات التي تتخذها للدفاع عن سيادتها وأمنها. ومن حصاد إنجازات القمة كان تدشين المرحلة الأولى من الربط الكهربائي وتخطيط مشروع سكة الحديد الخليجية. كما سنتذكر قمة الكويت بقرار تشكيل قوة عسكرية خليجية للتدخل السريع لردع العدوان على أية دولة من دول المجلس، في تعزيز للبعد الأمني للجميع، وهو ما ظل يراودنا دون النجاح في تحقيقه خلال العقود الثلاثة الماضية. وقد تكون هذه القمة الأولى منذ الاحتلال العراقي للكويت قبل عقدين التي تُعقد فيما تتعرض إحدى دول المجلس (السعودية) لعدوان وتخوض عمليات عسكرية في جنوب البلاد ضد الحوثيين. وسيتم تذكر قمة الكويت أيضاً بإطلاق المجلس النقدي الخليجي، الذي سيمهد لإنشاء مصرف خليجي وعملة خليجية موحدة بعد عشر سنوات. ودعا سمو الأمير والبيان الختامي للقمة إلى حل أزمة الملف النووي الإيراني بالحوار والطرق السلمية وإدانة التفجيرات الإرهابية في العراق. وطالبت القمة بالإنهاء الفوري لحصار غزة ودعوة الفلسطينيين لنبذ الخلافات. وطالب سمو الأمير المجتمع الدولي بممارسة مسؤولياته لإحداث تحرك نوعي والضغط على إسرائيل للانسحاب الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة والتوقف الفوري عن بناء المستوطنات وتهويد القدس وتهديد المسجد الأقصى. ولكن يبقى التحدي الحقيقي على الدوام هو التعامل مع الهواجس الأمنية وتداعياتها على أمن واستقرار دول المجلس. وللمفارقة فإن الهواجس الأمنية كانت هي القوة الدافعة والمحركة لتداعي قادة دول المجلس قبل ثلاثة عقود إلى إنشاء هذا التجمع الأنجح في عالمنا العربي. وفي المحصلة النهائية فقد شكلت قمة الكويت نقلة يبقى نجاحها مرهوناً بحصادها ونتائجها حول الاندماج والتعاون العسكري وما تعنيه قوات التدخل هذه على أمل ألا تلقى مصير "درع الجزيرة" التي تم تفكيكها قبل سنوات على رغم رمزيتها ومحدودية قدراتها ومهامها. وكذلك يبقى مرهوناً بما ستتمخض عنه الإنجازات الاقتصادية والاتحاد النقدي، وما تأخير انطلاق العملة الموحدة سوى دليل على بقاء التباين في وجهات النظر حول بعض القضايا. وما لم ينجح المجلس في توحيد مواقفه وحماية كيانه ودوله، كبيرة كانت أم صغيرة، من المخاطر، وترجمة وتوظيف أوراق القوة التي بحوزة دوله، فإن قدرته على تلبية مطالبات وآمال حكام وشعوب المجلس ستبقى مثار تساؤلات لا تلامس الطموح. وختاماً فإن قمة الكويت كانت خطوة في الاتجاه الصحيح، لتصحيح مسار واتجاه المجلس. ولكن التحدي الحقيقي هو الثبات والاستمرارية في الخطوات اللاحقة لتحقيق ما بقي طيلة العقود الثلاثة الماضية يراود قادة وشعوب هذا المجلس الواعد، وهو التكامل في شتى المجالات، وتجميع القدرات، والتحول إلى لاعب مؤثر يطمئن أعضاءه ويردع خصومه ويفرض نفسه على القوى القريبة والبعيدة، ويؤخذ على محمل الجد بمبادراته ودوره وثقله. وهذا هو التحدي الحقيقي لنا جميعاً. Classifications