ماكتبته الكاتبة السعودية حول مطالبها بتعدد الأزواج كما هو تعدد الزوجات لم يكن به سوى الكثير من الرغبة في الاختلاف، وفي مزج غضب الزواج بأخرى بحالة من الانتقام ليس بأكثر من ذلك. ولكن أن يتم التعامل مع فكرة بكل هذا العنف والادعاء بأنها تطالب بالتحرر وغيرها من الاتهامات، أمر يثير الضحك أكثر من أي شيء آخر ... فالكاتبة كانت تهدف إلى كشف حقيقة شعور المرأة من مبررات ذكورية مجحفة بحق المرأة حين يقرر الزواج بأخرى. ومطالبة أحد نواب مجلس الشعب المصري برفع دعوى ضد الصحيفة التي نشرت المقال بتهمة نشر الرذيلة، هو بالضبط ما يطلق عليه المثل المصري الشعبي "الفاضي يعمل قاضي"، وذلك بدلاً من أن يثير المقال تساؤلاً مؤداه: هل صحيح أن مبررات بعض الرجال في تعدد الزوجات قائمة على حقائق شرعية تتوافق مع سنة التعدد؟! تحدث الشيخ الجليل عبدالحليم أبو شقة عن مبررات الزواج والتعدد، وكيف أن الإسلام ضيق هذه الحدود، وجعلها في أقصى الحالات وأصعبها، وهو يشد على أحاديث نبوية صحيحة لا تحتمل التشكيك. ولكن ماحدث أن الرجل المسلم حول القضية إلى نوع من التفاخر الرجولي، وكان الأصل التعدد واحتقار علاقة راقية كالزواج. ويبدو أن التاريخ العربي يحتاج بين حين وآخر إلى قضية من هذا النوع حتى يتم الحديث عنها والانتقال بها وإطلاق الاتهامات والشائعات وكيل مزيد من الإحباطات لنلبسها للآخرين، وندعي أنهم السبب في كل مصائب وهزائم الأمة. هذا تدهور فكري نشكو منه بدليل الالتفات لقضايا جانبية وتافهة أحياناً تدل صراحة على أن الفكر وصل إلى مرحلة من الانحدار، وأن العامة انساقوا خلف آخرين لا هم لهم سوى التعليق بالسفاسف وترك عمق الأمور. ولعل قضية حقوق المرأة من أهم القضايا العالقة في الذهنية العربية، فالمرأة مازالت تعاني اجحافاً في التعامل والمساواة بينها وبين الرجل، وتقع على كاهلها مسؤوليات لا تحصى، ورغم هذا ينظر لها بعين الشفقة، أو الانتقاص بدلاً من الاحترام والتقدير الإنساني الصرف. كان المقال متعلقاً بقضية تعدد الزوجات وما تنجم عنه من مشكلات اجتماعية خطيرة. فسواء كانت الكاتبة ضد فكرة الظلم تجاه المرأة في الزواج الثاني أو التقصير في مسؤوليات الرجل، فلابد وأن ينبري أصحاب العقول الضعيفة بالدفاع والاتهام وكأن الأمر يمسهم شخصياً، وبتحول الصراع بدلاً من حوار فكري إلى صراع أقل ما يمكن وصفه به أنه مؤسف، ودليل على تدني المستوى الفكري للمحاور. ومع الأسف أن البعض يتعامل وكأنه حامي الدين الأوحد والأقدر، وبغض الطرف عن تجاوزاته الشخصية في دينه، وكأن الدين حق معلوم للبعض فقط وعلى الجميع اقتفاء الأثر وهز الرؤوس موافقة واستسلاماً . ونحمد الله أن الاسلام دين موجه للجميع، ولم يقتصر على فئة دون أخرى، وإلا لكنا تحولنا إلى تطابق مروع مع أناس ضيقي الأفق، يعانون جنون العظمة، لأن اتهام الناس بالزنا والدعوة إلى الرذيلة ليس بالأمر الهين عند الله، ولولا هذا الفكر المظلم، لما وصلت الأمة لهذا المنحدر الضيق، ولما كان التاريخ حافلا بالدماء. فقد كان ينقصهم، وينقصنا الحوار المحترم واحترام الآخر، حتى وإن اختلف أو تضاد أو تعارض... هو الحوار الناقص دوماً .. ووجوده دال على نهضة وحضارة الأمم.