في مثل هذا الأسبوع منذ خمس سنوات تقريبا، تم اعتماد التشريع الخاص بإصلاح الاستخبارات في فترة مابعد الحادي عشر من سبتمبر، وهو الإصلاح المعروف بمشروع قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب لعام 2004، وتحويله إلى قانون. وكثيرا ما يوجه إلينا سؤال حول ما إذا كانت المنظمات، والهيئات والسلطات الجديدة، والموارد الإضافية قد صنعت الفارق أم لا؟ وإجابتي هي: نعم. ولتوضيح الصورة يتعين عليّ أن أقول بداية إن المهمة الخاصة بإعادة تكوين بنيتنا الاستخبارية، وإدماج الإمكانيات والثقافات، وتقنيات المعلومات، لخمس عشرة وكالة استخبارات متنوعة، هي مهمة ضخمة لم تكتمل بعد بسبب استمرار المشكلات الخاصة بالتقنيات، والتطبيق العملي، والعقليات السائدة. وأنا شخصيا ليست لدي أي أوهام بشأن مدى الصعوبة التي تكتنف محاولة التغلب على مثل تلك المشكلات، غير أنني أؤكد في ذات الوقت أن هناك فارقا شاسعا بين ما هو "صعب" وما هو "مستحيل" ورغم أن هناك العديد من النجاحات التي يجب إبقاؤها في نطاق السرية، فإن هناك في نفس الوقت أعمالا أخرى يجب أن يلم بها الجمهور، كي يعرف مدى التغيرات التي حدثت، والطريقة التي نوجه بها جهودنا ومواردنا. من ضمن الأمثلة البارزة في هذا السياق، ذلك المستوى المرتفع من التعاون بين مكتب التحقيقات الفيدرالية "اف. بي. آي" والجهات المحلية المنوط بها تنفيذ القوانين، ووكالات الاستخبارات الأميركية المتنوعة، والذي تبدى بشكل واضح في العمليات الأخيرة للقبض على "نجيب الله زازي"، و"ديفيد هيدلي" وهما مواطنان أميركيان مرتبطان -كما يُعتقد- بمنظمات الإرهاب الأجنبية المتهمة بالتخطيط لشن هجمات في الولايات المتحدة وخارجها. في كلتا الحالتين تم تمرير البلاغات، والإخباريات، بسلاسة ويسر بين الجهات الأميركية المنوط بها جمع المعلومات، وتلك المعنية بنفس المهمة في البلدان الخارجية، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات الوطنية التي قدمت معلومات أو أجابت عن الاستفسارات التي قُدمت إليها. وهذه التحريات ساهمت في الوصل بين النقاط المتفرقة، تماما بنفس الطرق التي تصورها قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب لعام 2004. ومع ذلك، وكما يتبين من المثال الخاص برائد الجيش "نضال حسن"، المتهم بإطلاق النار على زملائه في قاعدة "فورت هود" بتكساس، فإن الضرورة تحتم علينا المضي قدما في جهودنا الرامية لتحويل المعلومات الاستخبارية التي نحصل عليها إلى قاعدة معلوماتية معرفية لحماية الأميركيين. إن الاستخدام الخلاق لتقنية المعلومات، بين مختلف الوكالات، يتيح الفرصة في الوقت الراهن للمحللين كي يفيدوا من كميات المعلومات الهائلة التي نجمعها، وليستخلصوا منها الأفكار والرؤى المعمقة التي يمكنها مساعدة صناع السياسات في واشنطن، والضباط العسكريين والأخصائيين المدنيين في الميدان. وهناك آلاف من المحللين يكونون مجموعات تحليلية، فورية، في الوقت الحقيقي، ويقومون بتقيد الاستخلاصات المعلوماتية في "الإنتيليبيديا" (نظام مغلق فائق السرية لتبادل المعلومات الاستخبارية على الشبكة الافتراضية تستخدمه أجهزة الاستخبارات الأميركية لتقاسم تلك المعلومات)، واستعادة التحليلات ذات العلاقة من مكتبة الاستخبارات الوطنية، والتفاعل في نفس الوقت مع قاعدة المعلومات القبائلية الأفغانية. وهذه الأدوات -ضمن أخرى- تضمن أن كل تحليل منفصل يستفيد من العمل الذي تم إنجازه من قبل، كما تضمن وجود أفكار قيمة ورؤى معمقة متاحة فورا لكل من يحتاج إليها. ومن المعروف في هذا السياق أن التعاون الوثيق بين جامعي المعلومات والمحللين اللذين يستخدمون المعلومات الاستخبارية التي يتم الحصول عليها من الأفراد، والأقمار الاصطناعية، والإشارات الملتقطة... قد وفر لنا دليلا رئيسيا حول منشأة تخصيب اليورانيوم السرية في إيران. كما أن العمل الجماعي بين الوكالات المختلفة للولايات المتحدة والدول الشريكة في الخارج، أدى في الأسبوع الماضي إلى اعتراض سفينة شحن تحمل أسلحة كورية شمالية كانت متجهة إلى الشرق الأوسط. وهناك مبادرات سوف تجعل من أجهزتنا أكثر كفاءة وأكثر قدرة على المضي قدما للأمام. وتشتمل هذه المبادرات على تأهيل الضباط للقيام بالمهام المشتركة، وتحقيق تطوير مستمر ومنتظم في منظومات المعلومات الإدارية التي تمكننا من الإدارة الجيدة لمواردنا البشرية والمادية. وهناك أيضا المبادرة الخاصة بمشروع متطور للحاسوب الكمي، والتعرف على الهويات، واستخبارات شبكة الكمبيوتر وغيرها من المجالات التي ستفيد العديد من الأجهزة والوكالات الاستخبارية. واستراتيجية الاستخبارات الوطنية، تشتمل أيضا على الخطة الخاصة بتحقيق مزيد من التطوير في فعالية كافة الأجهزة الاستخبارية، وتركز بشكل خاص على الأمن المعلوماتي، والاستخبارات المضادة، وتأثير المشكلات مثل الأمراض الوبائية، والتطورات المناخية، والدول الفاشلة، والموارد الطبيعة المتناقصة... على الاستقرار العالمي. مثلهم في ذلك مثل القوات المسلحة، وأجهزة الاستجابة المبكرة، يقف إخصائيو الاستخبارات في الخطوط الأولى من أجل الدفاع عن هذا البلد وحماية أمنه. والتعاون داخل الأجهزة الاستخباراتية المختلفة وبين تلك الأجهزة وبعضها بعضا، وصل حدا لم يكن أحد يسمع عنه قبل خمس سنوات. والالتزام المستمر، والاستثمار المتواصل في هذه الإصلاحات الاستخباراتية أمر في غاية الأهمية، لأن الإصلاح المستمر، لن يتحقق إلا من خلال التزام كامل من الداخل. لقد أصبح الجميع في الاستخبارات على إدراك تام بفائدة التعاون والاندماج اللذين بدونهما لن نتمكن من تحقيق مهمتنا المشتركة في الداخل وفي الخارج على حد سواء. ومن الأقوال التي تتردد دائما: "إن المعلومات قوة وبالتالي فإنه لا يجب اقتسامها مع الغير على الإطلاق". غير أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أظهرت الخطأ الكبير الكامن في هذا المنطق. إن أمتنا تصبح أكثر أمنا مع فجر كل يوم جديد، لأننا ندرك جيدا أن المعلومات تزيد في قوتنا فقط عندما نتقاسمها. إن المهمة التي نضطلع بها هي مهمة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال مجتمع استخباراتي، مندمج مع بعضه ومتكامل... ويجب ألا يساورنا أي شك حيال ذلك وألا نسمح لأنفسنا بالنكوص عنه. ومن ضمن أولوياتي المطلقة العمل الدائم على غرس هذه الثقافة، واستخدام كل أداة من الأدوات المتاحة لي من أجل بناء جيل من القادة الاستخباريين الذين ستصبح هذه الثقافة جزءا لا يتجزأ من تكوينهم وأمرا عاديا بالنسبة لهم. -------- دنيس بلير مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"