يحتفل العالم الإسلامي هذا الأسبوع بسنة هجرية جديدة أعادها الله علينا باليمن والسلام . ومع بدء هذا العام أجد نفسي متأملاً في واقع الأمة الإسلامية ذات الأكثر من مليار نسمة، ونسأل ماذا قدمنا للعالم خلال هذه السنوات؟ وأجد نفسي مجبراً على تذكر الأيام الخوالي التي كنا فيها قادة للنهضة والعلم والمعرفة، حيث شكلت الحضارة الإسلامية جسر عبور للمعرفة بين الشرق والغرب. وقبل أيام كنت واقفاً في الجانب الغربي من اسطنبول حيث أوروبا بما فيها، وانتقلت إلى الشطر الآسيوي منها حيث العالم العربي مهد الحضارة العربية الإسلامية. وهناك تجولت في متاحف تلك الحضارة التي منها انتقل المجد إلى أوروبا الحديثة، والتي ورثت عنا قيادة العالم، فهل خسر العالم شيئاً بابتعادنا عن الصدارة، الجواب بكل تأكيد نعم وهنا انصح بقراءة كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" للعلامة أبوالحسن الندوي رحمه الله، والسؤال الأهم: كيف نعود إلى الصدارة؟ الإسلام انتشر في بقاع العالم كما تنبأ الرسول عليه الصلاة والسلام، ففي أوروبا يعد الإسلام الدين الأكثر انتشاراً هناك، وما موقف سويسرا الأخير من المآذن إلا جرس إنذار لما حولها من المدائن، تقول لهم الإسلام قادم من جديد، ولكن الإسلام هذه المرة ينتشر بعمق ووعي أشد، فقد انتبه المسلمون إلى خطورة الإرهاب ونتائجه لذلك نجد آلاف من الشباب الإسلامي غادر منصة التعصب الفكري والتطرف الديني إلى الوسطية، التي جاء بها الإسلام من أول يوم "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً"، كما قال الله تعالى لنا، ومن هذه الوسطية تأتي مسؤولية التعامل مع الآخر الذي يختلف عنا في العقيدة وربما في طريقة التفكير، فـ "لا إكراه في الدين" قاعدة ربانية لايستطيع أحد إنكارها، وهي نص قرآني يعمل به إلى قيام الساعة، ومع هذه القاعدة تكتمل الصورة بقوله تعالى"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، حيث يفتح الله لنا ميداناً واسعاً للإبداع في التواصل مع الآخر، وكلما رأينا الناس ينبذون الإرهاب والفكر المتطرف، نجد الصدى الطيب لهذا في انتشار هذا الدين العظيم. ومع هذا العام الهجري الجديد، نجد لزاماً على الدول العربية أن تفكر بطريقة إيجابية في مشاركتها لصناعة الحضارة، وهذا لن يأتي بالتصريح الإعلامي، ولكنه يتحقق لما يرى الناس في الدول العربية نهضة واقعية تجمع بين أصالة الحضارة العربية الإسلامية، وآخر ما توصلت له الحضارة الإنسانية، فمن حرية التفكير والتعبير التي جاء بهما هذا الدين وطبقتها أوروبا المعاصرة إلى حرية الإنسان، التي صانها الإسلام بقواعده الكلية والتي هتف بها الفاروق عمر ثاني الخلفاء الراشدين: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"... هذه الكلمة التي اقتبسها الأميركيون كي تكون دستوراً لهم بنص صريح يقول ولد الإنسان حراً، لقد طبقوا قيم الإسلام فكانت لهم الحضارة التي نحن أهل بها لو رجعنا إلى أصولنا.