علاقات دول مجلس التعاون الخليجي السياسية بإيران تشهد تقلباً مستمراً منذ أن قام نظام الشاه السابق بالاستيلاء على جزر الإمارات الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وهو مستمر رغم اندلاع الثورة وتبدل نظام الحكم، ورغم ذلك كانت دول المجلس ولا زالت تبدي نواياها الطيبة تجاه جارتها المسلمة. ويحدث ذلك رغم أن إيران تعتقد بأن مصالحها في الخليج تتطلب منها أن تنتهج سياسات تحد من خلالها من نفوذ الولايات المتحدة الأميركية المتزايد في المنطقة، الذي ترى بأنه يتم على حساب نفوذها هي. وكجزء من رغبة إيران في كسب ما يمكن كسبه من موالين وأصدقاء في الخليج العربي، فإن السلوك الرسمي الذي تمارسه تجاه دول المجلس يفترض أن يكون بعيداً عن الأيديولوجيا الصرفة الممعنة في طرح شعارات رنانة لا تجد أية فرصة ولو كانت ضئيلة على أرض الواقع، وعلى ضوء محاولات التدخل الإيرانية المستمرة في شؤون دول المجلس، والتصريحات القوية التي يدلي بها العديد من رجال الدين والساسة الإيرانيين، فإن دول المجلس أخذت في انتهاج سياسات تمكنت من خلالها احتواء تلك التدخلات والضغوط، خاصة وأنها تتصادم بقوة مع مصالح جميع حلفاء دول المجلس من خارج المنطقة، ومع مصالح دول المنطقة ذاتها. وفي هذه المرحلة بالتحديد، وعلى ضوء تداعيات الأوضاع الداخلية الإيرانية غير المستقرة منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، وتفاعلات الملف النووي الإيراني، أصبحت الخيارات الإيرانية في الضغط على دول المجلس محدودة وربما غير مؤثرة، ودول المجلس ترصد كل ذلك وتمارس دبلوماسيتها تجاه إيران من هذا المنطلق، فيلاحظ بأن الأوضاع تغيرت بالنسبة لطريقة التخاطب مع إيران، وتولد شعور قوي بالثقة بالنفس بعد مرور حوالي ثمانية وعشرين عاماً منذ تأسيس المجلس التي تحققت خلالها بعض المكاسب التي تشد من عضد دول المجلس تجاه قضاياها الخارجية. فدول المجلس مجتمعة وفرادى لا تبدو مترددة في المطالبة بحقوقها التي تحاول إيران انتهاكها، وفي الحديث المباشر مع إيران حول مسائل الحدود البحرية المشتركة خاصة بالنسبة لقضية جزر الإمارات المحتلة، التي تقف حجر عثرة أمام إحراز أي تقدم في ملف علاقات دول المجلس بإيران. ورغم الموقف الإيراني المعروف من هذه القضية، لا يبدو المجلس يائساً أمام عدم إمكانية اعتدال المواقف الإيرانية تجاهها. وفي الوقت نفسه، تقف دول المجلس علانية موقفاً مؤيداً للإمارات من قضية الجزر، وتشعر بأن لدى الإمارات كل مبررات النجاح الدبلوماسية والقانونية والسياسية لكسب القضية. وما تجدر الإشارة إليه هو أن دول المجلس الست حريصة في التعامل مع إيران تجاه كافة القضايا خاصة السياسية منها، بهدف عدم السماح لها لكي تلقي بظلالها على المصالح طويلة الأمد لدول المجلس مع إيران، فهي جميعها تتبادل مع إيران مصالح واسعة خاصة على الصعيد الاقتصادي، وترى دول المجلس بأنه لا توجد أمامها صعوبات جمة أو حقيقية في إمكانية تبادلها المصالح المشتركة مع إيران، وإعادة النظر في مجمل الجوانب السلبية، رغم أن الوقت الذي يمكن أن يحدث فيه ذلك من المسائل التي يصعب التكهن بها، وبغض النظر عن طبيعة الإشكاليات المتعلقة بذلك، فإن على دول المجلس وإيران أن تتعايش مع بعضها بعضاً لأن إيران قوة إقليمية لها شأنها في المنطقة، وهي جزء عضوي منها، وليس هناك من يستطيع تغيير حقائق الجغرافيا تلك.. وفي الوقت نفسه، تشكل دول المجلس مجتمعة قوة اقتصادية لا يُستهان بها يمكن لإيران أن تتعامل معها، لكي تحقق مصالح حيوية معها، ومن خلالها في مواجهة العالم الخارجي.