أشعر بالسعادة عندما يدور الحديث عن الجيل المقبل، وأحس بالفرح عندما أرى في ذلك الجيل من يعمل ويكافح ويجتهد من أجل مستقبل أفضل لبلاده، لأني أرى في كل شاب أو شابة ذلك المثقف الذي سيكون عقل هذه الأمة ومنارتها، أو ذلك البنّاء العظيم الذي سيرتقي بها إلى مصاف الدول القوية. إن العلم هو سلاح الأمم، ليس فقط لتخليد حضارتها، بل أيضاً لتخليد موقعها كأمة في التاريخ بين الأمم. والجيل المتعلم هو الحد الفاصل بين تخلف الشعوب وتقدمها. من هنا فإن بناء العقل وتعليمه وتربيته وتثقيفه أصبح أمراً في غاية الأهمية والإلحاح، خاصة في سياق السباق المحموم في عالم اليوم نحو القمة، لذلك لابد من العمل باجتهاد وإخلاص على تحديد المسار العلمي والتعليمي، ووضع خريطة طريق لمثل هذا المسار؛ أهدافه ومفاهيمه ومنهجياته ومعالمه واتجاهاته. وبالطبع فإن الأمر يحتاج إلى تضافر هيئات المجتمع وقواه بأكملها. ولعل البيت هو صاحب الرسالة الأكبر في صناعة عقل المستقبل، لأنه البيئة الأولى للطفل؛ ففيه يتغذى مما يقوله ويفعله ويفضله والداه. وقد كان البيت هو الموجه الأول والمؤثر الأكبر في حياة كثير من العباقرة والمفكرين والعلماء والأدباء... بل إن بعضهم تلقى تعليمه وثقافته وفكره انطلاقاً من البيت ولم يذهب للمدرسة طوال سني طفولته. وللمدرسة دور مهم أيضاً، لا يقتصر على شحن عقل الطالب بالمعارف والعلوم وتسليمه شهادة ورقية في نهاية المسار التعليمي، بل يتمثل الدور الأهم للمدرسة في كونها تقدم للمجتمع مكتشفين ومخترعين ومفكرين ومربين... بما يجعلها مصنعاً لإنتاج الفكر الإبداعي المتطور. وهناك الكثير من الدول، وبخاصة الدول المتقدمة، لديها استراتيجيات ثابتة لتشجيع واستقطاب العقول المبدعة، حيث تقوم مؤسساتها التربوية بمسح ميداني سنوي شامل لغالبية المدارس، للتعرف على المواهب المتميزة، لإبرازها وصقلها وإلحاقها بمدارس الموهوبين. حيث يصبح الموهوب مشروعاً مستقبلياً للمجتمع، يستفيد منه في نهوضه الحضاري. وحتى ينشأ جيلنا بصورة قوية، لابد أن يتعود على ثقافة القراءة، وأن يكتسب حب الكتاب وشهوة الاطلاع... سبيلا إلى بناء الوعي النقدي المبدع والخلاق، خاصة وأن الكثير من الدراسات تشير إلى تدني ثقافة القراءة عند الطفل العربي. وأخيراً نورد القصة التالية التي يرويها الأديب عبدالتواب يوسف، الحاصل على جائزة الملك فيصل في أدب الطفل، والذي يقول: عندما كنت في إنجلترا عام 1970، كان معي كاتب أطفال بريطاني اسمه "ليون جارفيلد"، وصادفنا عند أحد مسارح الأطفال طفلاً صغيراً يسأل: "مستر جارفيلد"، ما هي آخر أخبار أعمالك؟ فرد عليه "جارفيلد": أنت أصغر من أن تقرأ كتبي، فأنا أكتب لمن هم أكبر منك. فقال الطفل بخجل: أنا قرأت كل كتبك. ورد جارفيلد: كم عمرك فقال الطفل بشيء من الحدة: 8 سنوات قال جارفيلد: كيف قرأتها؟ قال: أنا من مدرسة الموهوبين ويقول يوسف: فوجئت بجارفيلد ينحني أمام الطفل بإعجاب شديد، وعندما أصبح وجهه في مواجهة الطفل قال له: أنا آسف.