لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، ولن يخفف الآباء والأمهات ركضهم لتوفير ضروريات وكماليات الحياة على حساب الأبناء وتربيتهم، ولن تستطيع المدرسة فعل كل شيء بمفردها، ولن تعود الأسر النووية التي تتكون منها الأسر الممتدة أو العائلة الكبيرة، للعيش في بيت كبير العائلة أو "البيت العود"، بعد أن عرفت الاستقلالية واشترت راحتها. لكن "ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه"، والاجتماع مرة واحدة أسبوعياً، على مائدة واحدة في بيت كبير العائلة، يمكن أن يصحح بعض الأوضاع المقلقة في المجتمع. انحسار دور العائلة لا يخلو من إيجابيات، فالأسرة الصغيرة أصبحت ترسم حياتها بنفسها، ولم تعد رهينة تعنّت العائلة أو ملزمة بزواج الأقارب، لكن لـ"البيت العود" إيجابياته أيضاً. فلا يمكن إنكار الدعم المادي الذي يقدمه، وهناك عائلات لا يعرف أفرادها الطريق إلى البنوك، لأن لديهم بنكاً عائلياً يفي باحتياجاتهم. ولا يمكن تجاهل دوره في إبعاد شبح الخوف من المستقبل من الأذهان، فالأخ يعرف أن عياله لن يهيموا على وجوههم إذا ما توفاه الله. والمتزوجة تدرك أن هناك من يسند ظهرها لو غدر بها الزمان. والبيت العود يمكنه أن يعيد صيانة العلاقات الزوجية بدلاً من اللجوء إلى المحاكم مع أول مشكلة. ويخفف من تأثير تضاؤل دور الأسرة في تربية الطفل وتركه للتلفزيون والألعاب الإلكترونية والإنترنت. ويفيد الأبوان الضعيفان، فيأتي البيت العود ليعزز من سلطتهما التربوية. وهو أفضل مكان لرعاية الطفل في حال غياب والديه، فشتان بين طفل يتربى في أحضان جدته وطفل يتربى في أحضان الغرباء. والبيت العود هو المستشفى الأولي، فالخبرة الطبية المتراكمة لدى الجد والجدة تحديداً، تقلل من لجوئهم إلى المستشفيات والارتهان لعقاقير الأطباء، خصوصاً في الأمراض العادية. وللبيت العود دور في تأهيل أبناء العائلة اجتماعياً، وتعريفهم بقيم وأعراف وضوابط المجتمع، خصوصاً إذا كان أحد الوالدين غريبا عن المجتمع، ما يضمن أن يتفاعلوا غداً مع مجتمعهم ويندمجوا فيه بشكل طبيعي. وأكثر المستفيدين من البيت العود هم الشباب، فالشاب، نظراً لقلة خبرته، قد تضيع بوصلته ويخطئ اختيار الطريق، خصوصاً أنه في الغالب لا يحتكّ إلا بأقرانه، ولا يمكن للوالدين أن يفعلا كل شيء دون الاستعانة بالدور الإرشادي للبيت العود. وليس من السهل أن تعصف الأفكار السلبية بأفراد البيت العود، حيث تُلاحظ أنماط السلوك ويمكن التحقق من الالتزام بالقيم الاجتماعية والدينية، فيُكرم المرء في هذا البيت أو يُهان، فمن يحلم بجعل رأسه برتقالة مقشّرة على يد الحلاق، يعلم يقيناً بأن الجميع سيدلون بدلائهم على رأسه. ومن تسوّل له نفسه تقليد رفاقه بالوشم وبقية الخزعبلات، يدرك أن الدخول إلى البيت العود بهذا المنظر من سابع المستحيلات. ومن تأخذه حماسة الشباب وغروره لينضم إلى جماعات خارجة على القانون، سيجد من يوضح له خطأ مسلكه، وغسيل الدماغ الذي تعرض له. بالطبع، يفضّل هؤلاء عدم التعرض لهذا الامتحان الأسبوعي، لكن كما قيل: "مَن لم يَجْلِس في الصِّغر حيثُ يَكْره لم يَجْلِس في الكبر حيث يُحب". إذا كانت العودة للعيش المشترك في البيت العود شبه مستحيلة، فإنه ليس من الصعب أن تجتمع الأسر الصغيرة تحت سقف واحد، مرة واحدة في الأسبوع فقط، في البيت العود.