ظهور أوباما في أوسلو، وفّر سبباً يدعو منتقديه لتذكير العالم مرة ثانية بكل شيء لم تنجح دبلوماسيته للسلام التي حصل بسببها على جائزة نوبل، في تحقيقه حتى الآن. فليست هناك نتيجة ملموسة لسياسته الخاصة بالتعاطي مع إيران، وكوريا الشمالية، وسوريا، وغيرها من الدول المارقة، كما لم يتحقق تقدم واضح في عملية سلام الشرق الأوسط، ولم تتخذ خُطى جديدة نحو نزع الأسلحة. أما حربه في أفغانستان التي لا بد أن القائمين على الجائزة ينظرون إليها باستياء، فإن أوباما حقق فيها ما يفوق بكثير ما حققه في كل تلك المجالات قاطبة. مع ذلك فإن وقت الحكم على سياسة أوباما الخاصة بالتعددية، والاشتباك الإيجابي والطموحات الأميركية المُرشدّة لا يزال بعيداً إلى حد كبير. والمدافعون عن هذه السياسة ظلوا يقولون منذ البداية إن تلك السياسة سوف تستغرق وقتا حتى تؤتي أُكلها، في حين أن المنتقدين لها قد فشلوا - وهو ما يرجع جزئياً للخطوات المتعثرة للإدارة - في ملاحظة أن بعضاً من تلك النتائج على الأقل قد بدأت في الظهور. فلنأخذ الشرق الأوسط كمثال في هذه المنطقة، يبدو أوباما كما لو كان قد فشل - حتى الآن على الأقل - لأنه رفع سقف التوقعات كثيراً، ووعد بإنجازات لا قبل له بتحقيقها. لذلك، فإنه لم يحصل سوى على قدر محدود من الثناء لحقيقة أن دبلوماسية إدارته قد دفعت رئيس وزراء إسرائيلي يمينيا، ذا تاريخ طويل في العناد، لتقديم تنازلات لم يكن معتاداً على تقديمها من قبل. فقد بات معروفاً الآن أن نتنياهو يقبل بإقامة دولة فلسطينية وأنه أصدر إعلاناً بتجميد بناء المستوطنات، وهو ما يفوق كل ما قدمته الحكومات السابقة. ليس هناك مجال للتساؤل عن السبب الذي دعا نتنياهو لكي يفعل ذلك، فهذا السبب معروف وهو" إرضاء رئيس أميركي جعل مسألة إنشاء دولة فلسطينية على رأس قائمة أولوياته. هل معنى ذلك أن أوباما سيتمكن من الإشراف على تحقيق هذه التسوية بحلول نهاية العام 2011 كما كان قد وعد؟ ليس من المرجح أن يتمكن من ذلك؟ لماذا؟. لأن الشركاء الذين سيجد نفسه مضطرا للعمل معهم من أجل تحقيق هذا الوعد هم في الوقت الراهن إما من النوع الضعيف أو العنيد. ولكن من خلال حث نتنياهو على الحركة يمكن القول إن أوباما قد نجح - وبشكل متزايد في دفع القضية الأكبر قدماً للأمام. وإذا ما تمكنت إدارته من الحفاظ على السلام الحالي في المنطقة، مع القيام في نفس الوقت بتعزيز السلطة الفلسطينية وتقوية مركزها، فإنها يمكن أن تهيئ خشبة المسرح لتحقيق اختراق حقيقي. وقد تعرض أوباما لانتقادات شديدة خلال رحلته الأخيرة للصين، لسماحه لمضيفيه بكتابة سيناريو، تحركاته ولقاءاته العامة، ولأن الرئيس الصيني "هو جنتاو" لم يقدم أي مؤشر يفيد أنه قد تراجع أي موقف من مواقف بلاده بشأن أي قضية من القضايا المثارة مع الجانب الأميركي. كان هناك عدد قليل من الناس هو الذي انتبه لما فعلته الصين - بعد أسابيع من انتهاء زيارة أوباما - عندما وافقت على تحديد هدف محدد في مجال تخفيض انبعاثاتها الغازية، وعندما صوتت بعد ذلك تأييداً لتوجيه اللوم لإيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. صحيح أن الخفض في مقدار الانبعاثات التي أعلنته الصين متواضع، إلا أن القرار الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي أيدته الصين، يمثل دليلاً على أن الصين قد بدأت تستجيب لدبلوماسية أوباما التي عملت بشكل حازم وهادئ، على توصيل رسالة لبكين مؤداها أن البرنامج النووي الإيراني يمثل مصلحة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة. وهناك علامة ثالثة على التقدم ظهرت بعد إعلان أوباما عن إرسال المزيد من القوات لأفغانستان. ففي العام الماضي ردت حكومات دول "الناتو" بجفاء على مطالبة الإدارة لها بإرسال المزيد من القوات من جانبها لتعزيز القوات الأميركية الإضافية التي أرسلت إلى أفغانستان الصيف الماضي، أما الآن فإن نفس تلك الحكومات تتعهد بإرسال 5000 جندي إضافي، وربما تتبعهم أعداد إضافية من ألمانيا وفرنسا. إلى ذلك، تمكنت دبلوماسية الإدارة من تحقيق قدر من التقدم في التعامل مع إيران. صحيح أن محاولة أوباما لفتح حوار مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية قد باءت بالفشل، إلا أن الدبلوماسيين الأميركيين، تمكنوا ببراعة من تحويل طلب إيراني للوقود المخصب لاستخدامه في مفاعل للأبحاث إلى صفقة تقوم بموجبها إيران بإرسال معظم كميات اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى روسيا. وكانت المحصلة رابحة للأميركيين من جميع النواحي: فإذا ما مضت إيران قدماً في تنفيذ الصفقة، فإن معنى ذلك أنها ستتخلص من اليورانيوم الذي يمكن استخدامه لتصنيع قنبلة نووية في وقت لاحق، أما إذا ما تراجعت عما تعهدت به فسوف تكون قد ألحقت إهانة كبيرة بروسيا التي طالما حمتها من العقوبات. الحاصل أن إيران تراجعت عما التزمت به، وهو ما يضع إدارة أوباما أمام اختبار حاسم. فمعظم طاقة الإدارة تم صرفها في مجال إعادة ضبط العلاقة مع روسيا الذي كان أهم بنودها إعادة ضبط علاقة الإدارة مع موسكو، وتأمين قدر أكبر من التعاون معها في البرنامج النووي الإيراني. وإذا ما كانت أميركا قد تمكنت من إقناع موسكو بضرورة اتخاذ رد فعل تجاه العناد الإيراني بشأن اليورانيوم، من خلال تأييد فرض عقوبات صارمة على تلك الدولة في مجلس الأمن الدولي في بداية العام المقبل، فإنه يمكن اعتبار أن إدارة أوباما قد تمكنت من تحقيق نجاح كبير. أما إذا لم تكن قد تمكنت من إقناع روسيا بذلك، فإنها هي التي ستكون بحاجة إلى إعادة ضبط في هذه الحالة. جاكسون ديل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"