ما زلتُ مقتنعاً بنظرية (استحالة التكامل والتنسيق والوحدة) في مجال الإعلام العربي! ذلك أن الإعلام ليس مشروعاً استثمارياً مشتركاً، ولا هو فندق سياحي يُقام في هذه البلاد أو تلك، وهو أيضاً ليس مصنعاً (لشركة مساهمة) يمكن أن يُدرّ أرباحاً على المساهمين. الإعلام هو لسان الدولة! ولا يمكن لأية دولة أن تتنازل عن لسانها لدولة أخرى -خصوصاً في الوطن العربي- أو حتى من أجل "العمل العربي المشترك"!. ولقد عانى الإعلاميون العرب أشكالاً من المآسي حتى في كتابة أسماء مندوبي الدول العربية في اتحاد إذاعات الدول العربية، أو أسماء بلدانهم (الطويلة أحياناً) في اللجنة الدائمة للإعلام العربي، أو الاتحاد. ويغضب البعض على سكرتارية الاتحاد لو نقصت (صفة) من الصفات الطويلة التي تُلحق عادة بأسماء الدول. وما يدعونا لتأكيد حتمية عدم التكامل أو التنسيق أو الوحدة في مجالات الإعلام مجموعة من الظواهر التي تؤكد الوجه التنافسي في مجالات الإعلام، حتى في أبسط الدوائر الضيقة للإعلام وهو التمثيل. ونجد أن فناني دولة معينة "يغارون" جداً من فناني دولة أخرى؛ ويطالبون بمنعهم من الاشتراك في مسلسلات عربية، أو إقامة حفلات في هذه العاصمة أو تلك، بدعاوى واهية، وهي منافسة الفنان المحلي! تصوروا عقلية الفنانين الذين نعتبرهم قلبَ وضمير الأمة، ونعتبرهم موحدين وقادرين على لمِّ الشمل وتوحيد الصفوف، فما بالكم بالسياسيين و"جلاوزة" المخابرات وأصحاب الشفرات السرية الذين يفتشون المقالات ويحفرون صفحات الكتب بحثاً عما يشفى غليلهم من أضلاع مثلث الخوف وهو (الجنس والسياسة والدين)! هذا المثلث الذي أصبح عاراً وفزاعة لكل صاحب رأي وكل صاحب إبداع! ولذلك سقطت كل المحاولات العربية المشتركة -ليس في مجال الإعلام فحسب- بل في مجالات عدة أكثر أهمية وأكثر حساسية، ولعلكم تذكرون هيئة التصنيع الحربي العربية في مصر، في عهود سابقة، التي انحازت عن أهدافها في خدمة المعركة ضد العدو الإسرائيلي؛ وقامت بإنتاج الثلاجات والغسالات! وسقط بذلك الدور القومي للهيئة. ولن نتحدث عن المجالات الاقتصادية والتنموية التي تتعثر -بتقلبات السياسة- أو تموت بعد أن يصرف عليها ما يُصرف من بلدان "الكرم" إلى بلدان "العوز". وفي الإعلام وجدنا تجربة مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي قد حققت نجاحات إقليمية في إنتاج برنامج "افتح يا سمسم" الموجه للأطفال، وكذلك إنتاج البرامج التوعوية الخاصة بالمرور والصحة والبيئة. ولم تكن دول الخليج أو أي منها تشترط أن يكون الطاقم الفني من الخليج في تلك الأعمال، بل شارك زملاء من كل الدول العربية دون استثناء في تلك الأعمال الناجحة والتي تصلح للعرض في أي زمان، وكانت من أهم المشروعات الإعلامية العربية المشتركة. ومناسبة هذا الحديث ما أُعلن خلال اجتماعات الدورة العادية للجنة الإعلام العربي في فبراير 2006، لاحظوا التاريـخ؛ عن تخصيص 22.5 مليون دولار لخطة (تحديث وتطوير الإعلام العربي الخارجي)! حيث تُركز الخطة على محاور: التحديث والتطوير والإصلاح، وتطورات القضية الفلسطينية، ودور الإعلام العربي في مكافحة الإرهاب، ودوره في تعزيز حوار الحضارات والحفاظ على الهوية العربية، ودوره في الاهتمام بقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي. وعندما نناقش تلك المحاور، نجد أولها: التحديث والتطوير والإصلاح!. هذا يعني أن الإعلام ما زال متخلفاً -وهذه حقيقة- وغائباً عن الركب، وأن الأوضاع السياسية في الوطن العربي "فاسدة" ومتخلفة وتحتاج إلى إصلاح. وهذا هو القول العقلاني الحق للمحور الأول من محاور التحرك الخارجي. ولنا حق التساؤل: هل نحن بحاجة لأن نطوّر الإعلام ونحدّثه قبل أن نطوّر ونحدّثَ المفاهيم والسياسات المحلية في كل قطر عربي؟! إن مفاهيم الإعلام العربي ما زالت أسيرة الخوف من النظام! فكيف يرضى نظام عربي أن يدفع نصيبه من الـ22.5 مليون دولار، لتكون مساهمة في سياسات إعلامية متخلفة، ما زالت تفكّر بعقلية الستينيات؟! وعندما نقول إن الإعلام العربي متخلف فنحن نرصد بعقلية التحليل مواقع التخلف -في أغلب البلدان العربية- وهي: 1- فوقية الخطاب الإعلامي الرسمي وتجاهله لقضايا ومتطلبات المجتمع. 2- احتكار السلطة للإعلام وعدم إشاعته للجمهور. 3- بث الدعاية السياسية للبلد، ومعاداة من يخالفها. 4- النظرة الرافضة للتوجهات المخالفة للنظام.. 5- تقليدية أداء الإعلام، وعدم تطوره من النواحي التحريرية والبرامجية والتقنية. 6- سوء اختيار العاملين في هذا الإعلام. 7- ضبابية المواقف، وهشاشة الفكر الذي يحمله هذا الإعلام وتركيزه على القشور. 8- التركيز على الوطنية العاطفية دون الاهتمام بالمواطنة المدنية الصالحة وحقوق الإنسان. 9- التمجيد المُبالغ فيه للنظام، وبما يغيّب الكثير من الحقائق. 10- اختلاف مواقف الدول العربية تجاه ما يجري من أحداث! هنالك دول عربية مع السلطة الفلسطينية، ودول مع الحركات الإسلامية، دول مع "حزب الله" ودول مع السيادة اللبنانية، دول مع (الحوثيين) ودول مع الحكومة اليمنية. دول مع "الجزارين" في الجزائر ودول مع الحكومة الجزائرية. 11- غلبة الأداء الترفيهي الإلهائي، وتمجيد التراث والحنين إلى الماضي، وربط الشعب العربي بالأصول التاريخية دون السماح له بالتركيز على مستقبله. 12- عدم تمكن الإعلاميين العرب -في الإذاعة والتلفزيون- من استغلال تكنولوجيا الاتصال الاستغلال الأمثل. ورتابة الإعداد والتقديم والإخراج. ودوران المسلسلات حول "تابوت" الحب أو تحقير المرأة أو خيانة الرجل. وذلك ناتج عن صرامة الرقابة.