قدّرت إدارة الحماية التجارية في "دائرة التنمية الاقتصادية" بأبوظبي حجم خسائر الاقتصاد الوطني جراء عمليات الغشّ التجاري بنحو 1.5 مليار درهم في السَّنة، وبالرَّغم من ضخامة حجم هذه الخسائر وفقاً لهذا التقدير، فإن القيمة الحقيقيّة لهذه الخسائر قد تكون أكبر من ذلك بكثير في ظل الصعوبات المتعلّقة بتقدير هذه الخسائر، وأهمها بالطبع عدم القدرة على رصد جميع المخالفات وحالات الغشّ التجاري التي تتم على مستوى الدولة وفي مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية، خاصّة أن مجلس إدارة العلامات التجارية لدول الخليج العربية كان قد قدّر حجم خسائر الاقتصاد الإماراتي نتيجة ممارسات الغش التجاري والتقليد بما يزيد على ثلاثة مليارات درهم في عام 2007. وقد يمثل ارتفاع قيمة خسائر الاقتصاد الوطني الناتجة عن ممارسات الغش التجاري مؤشراً إلى أن هناك قصوراً في مكافحة عمليات الغشّ التجاري في الدولة، وقد يحتمل هذا القصور أحد وجهين لا يمكن إغفال أيٍّ منهما، فالوجه الأول له قد يتمثل في ضعف العقوبات المطبقة حالياً في الدولة ضد حالات الغش التجاري، التي قد لا ترتقي إلى المستوى الذي يمكنه ردع التّجار الذين لا يفكرون إلا في المكسب السريع، ولا يأبهون بالأضرار التي يخلّفها التلاعب بالمواد والسلع محلّ الغش، خاصة الغذائية منها، بداية من الأضرار المادية التي يتعرّض لها المستهلكون، ونهاية بالتهديد الذي قد يلحق بحياة المستهلكين أنفسهم جراء تناول موادّ غذائية منتهية الصلاحية، أو مواد مقلَّدة لا تلتزم معايير الصحة والسلامة العامّة المعتمدة في الدولة. أما الوجه الثاني للقصور، فقد يتمثل في أن هناك قوانين وعقوبات رادعة ومانعة لممارسات الغش التجاري إلا أن تطبيقها يظلّ متواضعاً أو محدوداً من قبل الجهات التنفيذيّة، الأمر الذي يترك للتجار المجال مفتوحاً لممارسة غشهم التجاريّ من دون ملاحقة. وفي خضمّ اهتمام الدولة في المرحلة الراهنة بمكافحة ممارسات الغشّ التجاري وسعيها من خلال وزارة الاقتصاد إلى صياغة قانون جديد لمكافحة هذه الممارسات، فإن هناك حاجة ماسّة إلى أن توحّد الدولة بين الجهات ذات الصلة بقضية الغشّ التجاري بداية بوزارة الاقتصاد حتى الإدارات المحلية في كلّ إمارة، وألا تعمل أيّ من الجهات بشكل منفرد، بما يوفر للدولة فرصة الاستفادة من خبرات جميع الجهات على المستويين الاتحاديّ والمحليّ وجهودها، التي بالطبع تختلف خبراتها وفقاً لمدى اقترابها من مواجهة ممارسات الغش التجاري وطبيعة دورها في هذه المواجهة. أي أن هناك حاجة للاستفادة من الدروس التي استقتها الجهات المعنيّة خلال المراحل الماضية، وكذلك الاستفادة من التجارب الدوليّة الناجحة في محاربة الغش والمخالفات التجارية، وتشديد العقوبات المفروضة على المخالفين لكي تكون رادعة بما يكفي لثنيهم عن محاولات الغشّ وترويج البضائع المقلَّدة وعن حالات المخالفة بوجه عام. وهناك جانب آخر لا يقل أهمية في هذا الشأن، وهو ضرورة أن تراجع الجهات المعنيّة بقضية الغش التجاري مدى قابلية قوانين الغش التجاري الحاليّة للتطبيق، ورصد المشكلات التي كانت تقف حجر عثرة في طريق الجهات التنفيذية في الدّولة لدى تطبيقها تلك القوانين فيما مضى، على أن تستفيد من ذلك الجهات التشريعيّة والجهات التنفيذيّة بشكل تعاوني، وكل منها في ما يخصّه، بما يحقق الهدف النهائيّ المتمثل في القضاء على ممارسات الغش التجاري بشكل نهائي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.