مهما قيل بحق مجلس التعاون الخليجي فإنه يبقى علامة بارزة في تاريخ التقارب العربي حيث حافظ على ديمومته في ظل صراعات دامية شهدتها المنطقة. لكن أمام التحديات التي نشهدها، فإن قادة دول المجلس، وقد أنهوا قمتهم الثلاثين يوم أمس الثلاثاء في الكويت، مطالبون بقراءة متأنية للمستجدات المحيطة ووضع تصورات مستقبلية للنأي بالمنطقة عن الصراعات الباردة والساخنة، خصوصا أن اختراق أي دولة خليجية هو اختراق لباقي بلدان مجلس التعاون. العرب يتأثرون بثقافتهم، وهم نتاج لها، والقيادة تفكر ضمن واقع ثقافي واجتماعي وجيوبوليتيكي. واليوم، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من تجاهل المتغيرات العالمية، فإن الوضع قد يتجه نحو احتمالات غير متوقعة. والثقل العربي في صنع القرار يتغير بتغير الظروف، ولا يقاس بعدد السكان بقدر ما يقاس بفاعلية القيادة وقدرتها على قراءة المستقبل. والواقع يقول إن مجلس التعاون له عمقه العربي، ولا يمكنه الانفصال عنه، حيث استقرار الإقليم الخليجي مرتبط بالاستقرار العربي العام. ولعلنا نتذكر الصراع العربي الإسرائيلي، والمطلوب من القمة الخليجية في سياقه، خصوصا أن هناك مبادرة سلام عربية قادتها السعودية وأهملتها الإدارة الأميركية السابقة وتدعي الإدارة الحالية عزمها على حل العقدة التاريخية لكنها تواجه مصاعب تقليدية نتيجة لخلل في المعادلة العربية. الاستقرار العربي مطلب عالمي، ووجود الدولة الفلسطينية هو طريق النجاة، وعلى مجلس التعاون تفعيل دوره في هذا الخضم نظراً لطبيعة العلاقات التي تربط دوله بالولايات المتحدة الأميركية، كما يتعين على الجانب الأميركي إدراك طبيعة المتغيرات المحلية التي تواجه دول المنطقة. الجميع يعلن رغبته في مواجهة بؤر التوتر للحد من العنف، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال معالجة الموضوع الفلسطيني، فحله يمثل وسيلة للحد من تنامي العنف الذي تقوده الجماعات المسلحة التي تقلقنا وتستنزف طاقاتنا. القادة الخليجيون عليهم مسؤولية تاريخية في الدفع بالمبادرة العربية والضغط على الجانب الغربي للوصول إلى صيغة توافقية تحمي جميع الأطراف المتصارعة، خصوصا أن إسرائيل هي ضمن الواقع المعاش وعليها مسؤولية التعامل مع العنف، سواء المنظم منه أو العشوائي. وتمثل سوريا جزءاً من المعادلة العربية ولا يمكن عزلها، وهنا يأتي دور دول المجلس في تقريب وجهات النظر، لاسيما أن سوريا لديها رغبة في تحقيق السلام العربي. التقارب الاقتصادي ليس هو العملة الخليجية الموحدة بقدر ما هو التقارب في السياسات حيال بؤر الصراع. ونعتقد أن العراق ثاني أهم بؤرة، وعلى القادة الخليجيين فهم عمق الصراع العراقي وإدراك حقيقته كصراع يغذي الفئوية في الخليج، لذلك فاستقرار العراق هو استقرار للخليج. ويأتي موضوع اليمن ليضع نفسه في المقدمة على طاولة المحادثات الخليجية، حيث يتحتم أن يكون هناك موقف عملي مشترك حيال الحرب على الحدود السعودية. وما يحدث في اليمن هو بفعل تفاعل ما هو محلي وإقليمي وعالمي. أما الموضوع الإيراني، فلدى الدول الخليجية تخوف تاريخي من المد الثوري الإيراني. والخلاف الغربي الإيراني ليس في صالح المنطقة، كما أن إطلاق حمى السباق النووي ليس في صالح أحد، ولا نريد للخليج أن يتورط في مجابهة إيران بقدر ما نريد الوصول إلى صيغة توافقية يجمع عليها الكل. ويأتي الجانب الاجتماعي على مستوى دول المنطقة، وهو جانب مهم، وعلى القادة الانطلاق من قاعدة عملية تسهم في تقريب التشريعات وتعمق الصلات الاجتماعية...