جاء استفتاء حظر بناء مساجد جديدة بمآذن في سويسرا الشهر المنصرم، ليثير مواقف نقدية حادة من قِبل بعض الشخصيات الأوروبية. من ضمن هذه المواقف تبرز الحملة، التي شنّها المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر على الاستفتاء المذكور. شرودر كتب مقالة بخصوص هذا الموضوع في الصحيفة الأسبوعية الألمانية "دي تسايت"، اتخذ فيها موقفاً سلبياً واضحاً من النظرة السلبية، التي يبديها فريق من الشعب السويسري حيال الإسلام والمسلمين الموجودين في سويسرا (كما هم موجودون كذلك في ألمانيا). ويكاد المستشار الألماني السابق أن يكون قد اتهم الشعب المذكور بشيء من العنصرية. بل إنه انتقل إلى خطوة ثانية تمثلت في تحذير مواطنيه الألمان من الانجرار في رؤية (نمطية) للإسلام تجعل منه إيديولوجية سياسية عنصرية حَرِنة. وقد ذهب المستشار شرودر أبعد، حين ذكّر بأن الحربين العالميتين في القرن المنصرم لم تشارك أية دولة إسلامية في إشعالهما، وهما اللتان أودتا بملايين البشر إلى الموت. وأعلن أنه في ألمانيا خصوصاً لا يحق لأحد أن يقف موقف الاستعلاء تجاه الشعوب الأخرى، فتاريخ هذا البلد -في إحدى مراحله- كان موئلاً للفكر العنصري النازي. وبالعكس من ذلك، فإن الوضعية التنويرية في ألمانيا راهناً تعلن عن نفسها بوضوح. وكانت الفكرة التالية مهمة في مقالة شرودر: إن الإسلام ليس أيديولوجية سياسية (أو إنه ليس إسلاماً سياسياً)، وإنما هو دين يحض على السلام والأخوة. وبغض النظر عن أن المستشار الألماني ليس خبيراً في الدين والشؤون الإسلامية، إلا أنه التقط معْلماً حاسماً من معالم الإسلام، وهو كونه مرجعية دينية للسلام، إضافة إلى أنه -في الأساس- يجنح إلى السلم والتضامن بين البشر واحترام حرياتهم. يُقال ذلك بالرغم من تعدد الاجتهادات في الوسط الإسلامي نفسه، تلك التي قد يُبالَغ في واحد منها أو آخر لصالح ما يمكن أن يتحول إلى حالة ظلامية تُفرض على الناس فرضاً. ويمكن فهم هذا الاحتمال في ضوء القولة الشهيرة للإمام علي بن أبي طالب" القرآن حمَّال أوجه". ولهذا، فإن التأويل في فهمه وتمثُّله يغدو أحياناً ضرورة حاسمة، كي لا يقع المرء فيما يفضي إلى تلك الظلامية، المناهضة للإسلام نفسه. ويبقى أن نعود إلى المساجد بمآذن (بالطبع)، لنشير إلى جانب مرهف من الأمر، وهو إن الأذان من تلك المساجد إنما هو -في الأصل- لتذكير المؤمنين بالصلاة، بروح من الدَّعة والهدوء واحترام خصوصيات بعض الناس، وتحديداً في أوقات الليل، وهذا ما يحدث، لكن الاستثناءات موجودة، وينبغي تجاوزها.