يحتفل العالم بمرور 61 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك كرد فعل على الكوارث التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية. والإعلان من أعظم الإنجازات الحقوقية، مع أن الكثير من بنوده لم تكفلها معظم الدساتير العربية، وخاصةً فيما يتعلق بحرية التعبير، فالكلمة في العالم العربي مخنوقة مبحوحة. لكن الذي أعجبني أن صدى الذكرى الحادية والستين لم تمر على الإمارات مرور الكرام كما مرت على غيرها، بل تابعت تفاعلات بعض المؤسسات الحقوقية والقضائية مع تلك الذكرى. الورشة التي نظمها مكتب حقوق الإنسان بدائرة القضاء في أبوظبي نهاية الأسبوع الماضي بمناسبة ذكرى الإعلان العالمي كانت مميزة، ولم يقم كرنفالاً مفرغاً من المضامين الحقوقية، بل كانت ورشة مهمة من أجل ترسيخ الثقافة الحقوقية داخل المجتمع. فالاحتفال بذكرى الإعلان يجب أن تكون مصحوبة بإرادة جماعية لحماية الحقوق، وهو ما أشار إليه المستشار سعيد البادي وكيل دائرة القضاء في أبوظبي أثناء حديثه في الورشة حين قال: "في إطار حرص دائرة القضاء في أبوظبي على صون الحريات وتوفير أقصى درجات حماية حقوق الإنسان، أنشأت الدائرة مكتباً خاصاً لحقوق الإنسان يقع بالمبنى الرئيسي للدائرة في مدينة أبوظبي، ويعمل المكتب من خلال ما يكفله دستور الإمارات للحقوق الأساسية للفرد، ومن بينها المادة 25 من الدستور التي تنص على "أن جميع الأفراد أمام القانون سواء، وأنه لا تمييز بين المواطنين بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي". هذا هو مربط الفرس، أن ينعكس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ثقافتنا الحقوقية الاجتماعية. والإمارات العربية المتحدة لم تهمل المسألة الحقوقية، بل اتخذت عدة قرارات بشأن الارتقاء بمستوى إجراءاتها الحقوقية من بينها تبني الإمارات 4 اتفاقيات معنية بحقوق الإنسان صادرة عن الأمم المتحدة، وهي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1974، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 2004، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1997، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2008 كمــا تبنــت الإمارات مجموعة من اتفاقيات منظمة العمل الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وهي الاتفاقية المعنية بساعات العمل، واتفاقية العمل الجبري، وتفتيش العمل، والعمل ليلاً للنساء، والمساواة في الأجور، والتمييز في الاستخدام والمهنة، والحد الأدنى للسن، وعمل الأطفال. وعمدت الإمارات إلى إنشاء مجموعة من المؤسسات من بينها الاتحاد النسائي ولجنة لحقوق الإنسان وجمعية الإمارات لحقوق الإنسان. كل تلك القرارات هي من أجمل نتائج الإعلان العالمي، الذي شجع الحكومات الجادة على إيقاظ الحس الإنساني في التعاملات البينية، وتقنين مواد تكفل للفرد حريته، سواء كان مواطناً أم مقيماً. إحدى الأمنيات الكبرى أن تصبح الثقافة الحقوقية متاحة لكل المجتمعات، أن يعرف الكائن ما له وما عليه، أن يتعلم فقه الحقوق. لقد كادت الثقافة الحقوقية أن تزدهر مع عصر النهضة -أثناء الفوران العلمي والتقني وقبل أن تهزم الانقلابات العسكرية الثقافة النهضوية- كادت أن تكون أبجدية على يد عبد الرزاق السنهوري في كتابه العمدة: "مصادر الحق في الفقه الإسلامي"، لقد كان أعمق خبير حقوقي معاصر، كان يمكن أن يكون مؤسس الثقافة الحقوقية العربية. فقط أخذ عليه أنه هو الشخص الذى ابتكر قوانين الكفالة في دول الخليج ويعتبر قانون الكفالة أحد القوانين المخالفة لأدنى معايير وأسس حقوق الأنسان وهو قانون تخلت عنه دولة البحرين مؤخراً. لكننا لا يمكن أن ننسى مؤلفاته، عن القانون المدني المصري، والقانون المدني السوري، والقانون الليبي، ودستور دولة الكويت، ودستور دولة الإمارات (الذي وضع هو المقدمات الدستورية والقانونية له). كان في كل كتاباته يريد أن يغرس الثقافة الحقوقية التي هي بوابة تطور الإنسان العربي. ما أحوجنا إلى عقل بحجم فكر السنهوري يكمل المشروع الذي بدأه، في هذه الذكرى العظيمة، ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.