"الشعب البوليفي يصنع التاريخ"، قالها موراليس وهو يخاطب أنصاره المبتهجين بفوزه في انتخابات الأحد من الأسبوع الماضي. وفيما أعلن موراليس انتصاره الانتخابي في اليوم التالي مباشرة ليوم الاقتراع، وأخذ مؤيدوه يحتفون بالحدث، فإن اللجنة الوطنية للانتخابات لم تعلن نتائجها رسمياً إلا أول أمس السبت، حيث اتضح بالفعل أن موراليس فاز بتفضيل البوليفيين، وأنه حصل على ما نسبته 62.5 في المئة من أصواتهم، بينما حصل أقرب منافسيه في الترتيب على 28.2 في المئة فقط. وبتلك النتيجة يكون موراليس قد نال ولاية رئاسية ثانية طالما اعتبرها ضرورية لإكمال مشروعاته في الإصلاح والبناء الوطني... كما يتأكد المزاج اليساري المسيطر على الرأي العام في أميركا اللاتينية حالياً. وكان من أحدث الشواهد على ذلك، قبل الحدث البوليفي، انتخابات الرئاسة في أوروغواي. فموراليس هو أحد أعمدة اليسار الراديكالي في أميركا اللاتينية، إلى جانب كاسترو وشافيز، وقد لخص مشروعه في "إزالة الاستعمار الأميركي وفرض الطابع الهندي". وتتمثل الخلفية الاجتماعية لذلك التوجه في معطيين أساسيين؛ أولهما أن "خوان إيفو موراليس إيمو" نفسه من عائلة فقيرة، وثانيهما كونه أول رئيس بوليفي من السكان الأصليين. فهو مولود عام 1959 لأبوين مزارعين، من قبيلتي "إيمارا" و"كيتشوا" الهنديتين، بمنطقة أورينوكا في إقليم أورورو بالجنوب الغربي لبوليفيا، وكان له ستة أخوة توفي منهم أربعة قبل بلوغهم العامين. ولاشتغاله بالزراعة ورعي قطعان اللاما، لم يستطع إكمال تعليمه الابتدائي، فتوجه للعمل في مجالات أخرى مثل البناء وصناعة الآجر، كما عمل عازف بوق جوالا، قبل أن يرافق والده إلى شمال الأرجنتين للعمل في حقول قصب السكر، ثم إلى إقليم كوشابامبا لبيع قطيع اللاما. لكنه عاد ليلتحق بالدراسة الثانوية إلى جانب عمله كلاعب كرة قدم ضمن فريق "باندا ريال إمبريال". وبعد عودته من لاباز حيث أدى الخدمة الوطنية هناك عام 1978، عمل مزارعاً بأرضه، لكنه اضطر لتركها بسبب موجة جفاف ليتوجه إلى مقاطعة كوشابامبا في الشرق حيث واصل عمله بالزراعة. وهناك ناضل في اتحاد العمال البوليفيين خلال فترة اتسمت بالمواجهات بين مزارعي الكوكا والحكومة البوليفية في إطار حربها على المخدرات، مما عرضه للاعتقال والسجن، غير أنه واصل صعوده ليصبح زعيماً لنقابة مزارعي الكوكا، كما أصبح نائباً في البرلمان عن دائرة "تشاباري". وقد خرج موراليس على الصعيد السياسي من إطاره المحلي والنقابي عام 2002، حين حقق مفاجأة كبرى بحصوله على نسبة 21 في المئة من أصوات المقترعين في انتخابات الرئاسة، بينما فاز حزبه، "الحركة نحو الاشتراكية البوليفية"، بـ27 مقعداً برلمانياً ليصبح ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد. أما انتخابات عام 2005 فقد فاز في شوطها الأول بحصوله على نسبة 53.7 في المئة من أصوات الناخبين. وتحت حكمه تعرضت علاقات بوليفيا بالولايات المتحدة للتوتر في مرات عدة، وقام في عام 2008 بطرد السفير الأميركي، وأعضاء "إدارة مكافحة المخدرات" التابعة للأمم المتحدة، كما اتهمته واشنطن بمضايقة وإقصاء عدد من الشركات الأميركية العاملة في بوليفيا من خلال إحكام قبضته على صناعات التعدين والغاز الطبيعي. وقد حقق الاقتصاد البوليفي خلال الولاية الأولى لموراليس معدل نمو بلغ 3.2 في المئة، وهو الأعلى في أميركا اللاتينية، ولقي إشادة من صندوق النقد الدولي على سياسته "الشاملة المثمرة" والحازمة جداً لضبط الميزانية، والتي سمحت بإعادة توزيع العلاوات الاجتماعية. وفي هذا الإطار حاول تطبيق إصلاحات اشتراكية "لصالح الغالبية الفقيرة"، وقام بتأميم القطاعات المهمة في البلاد، "حماية للثروات الطبيعية"، مثل المناجم وحقول الغاز، كما عمل على تحسين وزيادة البرامج الاجتماعية، وقام بإعادة توطين السكان الأصليين في عدد من مناطق شرق وشمال البلاد. وقد عانى السكان الأصليون (الهنود الحمر) الذين يشكلون 60 في المئة، من الاضطهاد خلال عهد الاحتلال الأوروبي، أما بعد استقلال البلاد عن إسبانيا عام 1825 فلم يحظوا بمشاركة "كافية"... وهي حقيقة طالما ألح عليها موراليس في خطاباته ومواقفه وحملاته الانتخابية، حتى أصبح غالبية السكان الأصليين يعتبرونه الرئيس المحبوب والرجل الذي يمثلهم على الدوام. ولا شك أن شعبية موراليس بين فقراء بوليفيا هي التي مكنته من تخطي توترات 2007-2008 والتي دفعت البلاد إلى حافة حرب أهلية، خلال عصيان انفصالي في شرق البلاد المزدهر وحيث توجد معاقل المعارضة. لقد استطاع أن يتخطى ذلك التحدي الخطير، وأن يمرر دستوراً جديداً في استفتاء أجري أوائل العام الحالي، أزال موانع ترشحه لولاية رئاسية ثانية. كما استطاع أن يكتسح الانتخابات الأخيرة متقدماً بفارق كبير على منافسيه، وأبرزهم "مانفريد فيلا" حاكم ولاية كوشابامبا السابق، ورجل الأعمال الثري "صمويل مدينا"، ما جعل موراليس أكثر قادة بوليفيا شعبية منذ القائد الوطني "باز إيستينسورو" قبل 50 عاماً. وعلاوة على فوزه بالسباق الرئاسي، فإن الفوز الساحق لحزبه بالانتخابات العامة التي جرت بشكل متزامن، يمكنه أيضاً من السيطرة كلياً البرلمان، لاسيما مجلس الشيوخ الذي كان خاضعاً للمعارضة خلال السنوات الأربع السابقة. فقد فاز حزب "الحركة نحو الاشتراكية" بـ25 مقعداً من مقاعد مجلس الشيوخ الـ36، تضاف إلى الأغلبية التي يملكها أصلا في مجلس النواب، وهذا ما يتيح لموراليس "تسريع التغيير" وإعادة تأسيس الاشتراكية المؤيدة للهوية الوطنية بلا عوائق، وفي إطار الدستور الجديد. لكن منتقدي موراليس يأخذون عليه "شعبويته المفرطة"، ويحذرون من مخاطر حدوث انحراف سلطوي، لاسيما أن من شأن فوزه الثاني أن يعزز هيمنته على الحياة السياسية في بوليفيا، وأن يضعف المعارضة اليمينية المحافظة. كما ينتقدون اصطفافه مع شافيز، ويخشون أن ينتقل نمط الحياة السياسية والاقتصادية الفنزويلي إلى بوليفيا. ويحذر كثيرون من أن نجاحات موراليس المتوالية قد تغريه بالسعي للحصول على ولاية رئاسية ثالثة، لاسيما وقد أشار مؤخراً إلى أنه بناءً على الدستور الجديد فإن ولايته الثانية يمكن اعتبارها "بمثابة ولاية أولى"! محمد ولد المنى