بعد مضي أسبوع من المحادثات بشأن التغير المناخي في قمة كوبنهاجن، لا تزال الخلافات مستمرة وواضحة، سيما بين كبريات الدول الصناعية: أميركا والصين. ومهما يكن فليس لأحد أن يتوقع سهولة توصل المجتمع الدولي إلى معاهدة شاملة للتغير المناخي. فخلال الأيام الأربعة الأولى من المحادثات المعنية بالتوصل إلى اتفاقية شاملة للحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض، وجهت الصين انتقاداتها لكل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان بسبب عدم التزامها بما يكفي للحد من معدل انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري. وعلى صعيد آخر انتقد رئيس تجمع للدول الفقيرة النامية يطلق على نفسه تسمية G-77 في موازاة قمة الدول الصناعية الكبرى المعروف باسم G-8 الدنمارك التي تستضيف القمة الحالية بسبب توقيعها على مسودة اتفاقية شاملة للتغير المناخي، ترى مجموعة الدول النامية المذكورة أنها مليئة بالأخطاء والعيوب. في الوقت نفسه تحدث عدد من المسؤولين الأميركيين المشاركين في القمة عن توقعاتهم لنمو الاقتصاد الصيني الكبير خلال العقود القليلة المقبلة، قائلين إن منطق الرياضيات وليس السياسة هو الذي يدفع واشنطن لحث الصين على رفع مستوى مساهمتها في خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مؤكدين ذلك بإصرارهم على أهمية خضوع أهداف الصين الخاصة بخفض هذه الانبعاثات للمراقبة والتحقق الدوليين، وليس للمراقبة الصينية وحدها. إلى ذلك دعا "تايني توفالو" -متحدثاً باسم شعوب الجزر الصغيرة- إلى أهمية أن تكون أي اتفاقية تبرمها القمة بحلول الثامن عشر من ديسمبر الجاري ملزمة قانونياً وليس مجرد اتفاقية سياسية فحسب، طالما أن حياة الكثير من شعوب الجزر الصغيرة باتت مهددة بخطر التغير المناخي. غير أن الخلاف الأكبر والأبرز في محادثات هذه القمة، هو الذي يدور بين كل من واشنطن وبكين التي يقدر لها أن تخلف الولايات المتحدة الأميركية في هيمنتها الاقتصادية على العالم قريباً. من ناحيتها اقترحت الولايات المتحدة خفض انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 17 في المئة مما كانت عليه معدلات الخفض في عام 2005 بحلول عام 2020، على أن يعقب ذلك خفض إضافي خلال الفترة الممتدة بين 2020-2050. غير أن "سو وي" المفاوض الرئيسي باسم الصين في المؤتمر، قلل من قيمة ذلك العرض الأميركي بقوله إن الأرقام التي أعلنتها واشنطن لخفض انبعاثاتها من الغازات السامة، تكاد لا تساوي شيئاً بالنظر إلى مساهمة أميركا في مشكلة التغير المناخي كلها. وفي معرض الدفاع عن سياسات إدارة أوباما الخاصة بالتغير المناخي، اعترف "تود ستيرن" مبعوث أوباما الخاص للقمة بتوجه السياسات الصينية الاقتصادية نحو الخضرة والحد من خطر التغير المناخي. كما اعترف بالاختلاف في مستوى النمو الاقتصادي بين بلاده والصين. لكنه قال في ذات الوقت إن عرض بكين خفض معدلات انبعاثاتها بنسبة تتراوح بين 40-45 في المئة بحلول عام 2020 لا يتناسب ومعدل الخفض الحقيقي المطلوب. ذلك أن انبعاثات الصين سوف تزيد بنسبة 60 على انبعاثات الولايات المتحدة بحلول عام 2020، لتزيد أيضاً على انبعاثات أميركا بنسبة 80 في المئة بحلول عام 2030. وأوضح "ستيرن" أن الانبعاثات هي الانبعاثات، وما علينا سوى استخدام التقنيات الرياضية لحسابها وقياسها. وهي بذلك بعيدة كل البعد عن أن تكون مجرد مسألة سياسية أو أخلاقية...إلى آخره. كما يؤكد المنطق الرياضي الحسابي نفسه استحالة تحقيق أي انخفاض كبير ملحوظ لهذه الانبعاثات، دون أن تكون الصين لاعباً دولياً رئيسياً في هذه العملية. وبينما يستمر الجدل والخلاف بين مختلف الأطراف المشاركة في القمة، لاح تحذير علمي قاطع من منظمة الأرصاد الجوي العالمية باحتمال أن يكون العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الأكثر دفئية في كافة سجلات المنظمة على الإطلاق. وسوف تتأكد هذه الحقيقة بمجرد وصول القراءات النهائية إلى المنظمة. وبينما يسيطر القلق والحماس على المشاركين في قمة كوبنهاجن الحالية، يلاحظ أن هناك أجواء إيجابية تسودها على رغم الخلافات. فالمشاركون يبذلون جهداً أكبر في دراسة المشكلات والتفاوض عليها، مقارنة بمحدودية الجهد الذي يبذلونه في الخصومات والاعتراضات الإجرائية. تلك هي ملاحظة "ألدن ماير" من "اتحاد العلماء المهتمين". هذا ويتوقع وصول قادة ورؤساء 110 دول من مختلف أنحاء العالم -بمن فيهم الرئيس الأميركي باراك أوباما- إلى مقر القمة بهدف توجيه السؤال التالي إلى فرق المفاوضين التي بعثت بها هذه الدول إلى كوبنهاجن: ما الذي تقدموه لنا بعد أسبوعين كاملين من التفاوض؟ والملاحظ أن الدول المشاركة في قمة كوبنهاجن الأخيرة تمثل قطاعاً عريضاً وواسعاً من الدول الممثلة للعالم، قياساً إلى مفاهيم التقسيم السطحي البسيط للعالم على أساس الفقر والغنى وحدهما، مثلما كان حال معظم القمم التي عقدت طوال القرن العشرين. ليس ذلك فحسب، فإن المرجح أن تشمل أي معاهدة أو اتفاقية للتغير المناخي يتم التوصل إليها في قمة كوبنهاجن المنعقدة جميع دول العالم دون استثناء، خلافاً لما كان عليه حال بروتوكول كيوتو 1997 الذي اقتصر التمثيل فيه على الدول الصناعية الكبرى وحدها. ولنذكر بهذه المناسبة أن مجموعة الـG-77 تمثل في حقيقة الأمر حوالي 132 دولة تتباين تبايناً كبيراً من حيث مستويات نموها الاقتصادي. كما أن هناك تبايناً كبيراً بين المصالح الخاصة لدول مثل كينيا وتنزانيا والنيبال، مع المصالح الخاصة لدولة مثل الصين، على حد ملاحظة دكتور أندرو ديوتز، مدير العلاقات الحكومية الدولية بوكالة المحافظة على الطبيعة في أرلنجتون بفرجينيا. بيتر إن. سبوتس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"