G2 ترسم الأجندة البيئية العالمية... و"الإنجليز" يعيدون اكتشاف القارة الأوروبية! عودة الدفء لمحور باريس- لندن، وانخفاض سقف التوقعات من قمة كوبنهاجن حول التغير المناخي، والآمال المعلقة على مشاركة أوباما في ختام أعمالها، موضوعات استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وصفحات رأي الصحف الفرنسية. ساركوزي والعزلة الإنجليزية: تحت هذا العنوان حلل الكاتب بيير روسلين، في افتتاحية صحيفة لوفيغارو، أبعاد الدفء الراهن في العلاقات الفرنسية- البريطانية، الذي عبر عن نفسه من خلال التنسيق الكبير والتقاء المواقف على كافة الجبهات بين ساركوزي وبراون في قمة كوبنهاجن الحالية حول المناخ، وسعيهما معاً لتشكيل محور بيئي أوروأفريقي، للمناورة به في وجه القوى الدولية الكبرى، بغية إقناعها باجتراح تدابير فعالة في مواجهة الاحترار العالمي. والغريب أن هذا التقارب يأتي في ظرف غير متوقع، بالنظر إلى الحملة الشعواء التي شنتها الصحافة البريطانية ضد تعيين وزير الخارجية الفرنسي السابق ميشل بارنييه في منصب المفوض الأوروبي المكلف بالأسواق الداخلية والإصلاح المالي. ولكن، ماذا عسى الرئيس الفرنسي يستفيد من الرهان على التحالف مع رئيس وزراء بريطاني تهوي شعبيته الداخلية في حالة سقوط حُر، ويتوقع العالم أجمع أن يخسر حزبه "العمالي" في الانتخابات المقبلة؟ ومن الجانب الآخر، لماذا يغامر براون باللعب بالورقة الفرنسية، في وقت تستعر فيه الحملات الكاريكاتورية في بلده ضد الجارة الواقعة على الضفة الأخرى لبحر المانش؟ في الجواب يستدرك الكاتب قائلاً إنه على رغم التوقعات، فإن من المبكر استباق نتائج الانتخابات البريطانية سلفاً. هذا إضافة إلى أن حزب "المحافظين" المعارض فقد الكثير من تقدمه وزخمه بسبب موقفه من اتفاقية لشبونة الأوروبية. وحتى لو فاز "المحافظون"، لأن الاحتمال يبقى وارداً على كل حال، فإن زعيمهم ديفيد كاميرون لن يتوافر له هامش تحرك كبير، وسيضطر، على الأرجح، لتليين مواقفه السلبية من المشروع الأوروبي، وهذا ما بدأ يفعله الآن. أما براون فهو في حاجة قوية إلى الرافعة الأوروبية، للعودة إلى الصورة مجدداً، وقد تبين ذلك منذ عام، حين قدم نفسه باعتباره منقذاً منشوداً للاقتصاد العالمي من هاوية الانهيار. وهنا يعول براون خاصة على فرنسا، أكثر من ألمانيا، لدعم موقفه. وعلى أية حال، فمهما يكن قائدها فإن بريطانيا العظمى تبقى طرفاً في غاية الأهمية لدعم التوازن الأوروبي. وهذه قناعة راسخة عند ساركوزي، عبَّر عنها مؤخراً دعمه لترشيح كاثرين آشتون لمنصب الممثل الأعلى الأوروبي في بروكسل. ويختم روسلين افتتاحيته بالقول إنه بغض النظر عن مزاعم الصحافة البريطانية فإن بلادها تمر الآن بأزمة هوية عميقة. فالانجذاب نحو علاقات خاصة جداً مع الولايات المتحدة أصبح مجرد تعلق عقيم بالذكريات. والانعزال الإنجليزي عن أوروبا تبين أنه هو أيضاً خيار انتحاري. ولأن الإنجليز أصبحوا الآن أكثر وعياً بمخاطر عزلتهم عن الجيران في البر الأوروبي الرئيسي، لذلك رأينا كيف انتهت فجأة الحملة ضد ميشل بارنييه، كما بدأت فجأة كذلك. قمة كوبنهاجن... سقف التوقعات: في صحيفة ليبراسيون كتب "ميشل كينو" افتتاحية استعرض فيها طرفاً من خريطة التجاذب الحالي في قمة كوبنهاجن حول المناخ، مُركزاً بشكل خاص على الدور الذي تلعبه المنظمات البيئية غير الحكومية، والنشطاء المناهضون للعولمة، للضغط على قادة العالم من أجل التوصل إلى تدابير فعالة، وذات تأثير، لكبح جموح تردي الظرف البيئي العالمي، وإن كان الكاتب لا يعفي من سهام نقده تلك القوى والمنظمات البيئية، المتوقع أن تواصل التظاهر بعشرات الآلاف في العاصمة الدانمركية طيلة أيام القمة -التي تلتئم على مفترق طرق بين أزمتين عالميتين مالية وغذائية- منبهاً إلى أن جل جهدها ينصب على هجاء العولمة ونظامها الاقتصادي ووصف السلبيات بدلاً من تقديم حلول مبتكرة أو أفكار بديلة ورؤى إيجابية ممكنة لتجاوز الواقع البيئي الراهن غير المرغوب. وما لم يتحول اليسار البيئي من خانة النقد والثلب والهدم والاشتباك السلبي إلى خانة البناء وتقديم الحلول، فإن جهوده ستبقى هامشية، ولن تتجاوز تظاهراته في كوبنهاجن كونها احتجاجات طوباوية، فلكلورية، ومفارقة للواقع. وفي السياق ذاته كتب موريس إلريك افتتاحية بصحيفة لومانيتيه تساءل في بدايتها عن جدوى "الكرم" الفرنسي المتوقع الإعلان عنه خلال الأيام المقبلة بتخصيص مئات الملايين من "اليورو" للمساهمة في تمويل جهود مكافحة التغير المناخي. ثم، ماذا عن أوروبا؟ ستخصص بريطانيا 800 مليون جنيه. وألمانيا لم تنطق حتى ببنت شفة. وبولندا، بالمختصر المفيد، ليست مستعدة لدفع "ثمن كوبنهاجن"! وفي أحسن الأحوال، لو افترضنا أن أوروبا اتفقت كلها، فلن تصل مخصصاتها لهذا الغرض "ملياري يورو"، لا غير، وعلى امتداد سنوات عديدة. وهذا رقم هزيل جداً إذا ما قورن بالمبلغ الفلكي الذي خصصته البلدان الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لدعم البنوك في مواجهة الأزمة المالية، والذي يقارب 1000 مليار "يورو"! ومع ذلك فالأرجح أن تلك المخصصات الشحيحة لن تفيد في شيء، لأن المسألة البيئية مرتبطة في جوهرها بنمط الاقتصاد المعولم، وطرق تسييره الرأسمالية الحالية. وأخيراً في موضوع آخر ذي صلة بالمسألة البيئية كتب "دان فوغل" مقالاً بصحيفة لوموند تحت عنوان "آن أوان اقتصادات ما بعد الكربون"، والعنوان ينطق بالمحتوى تماماً. أوباما... أمل كوبنهاجن الأخير: اعتبرت افتتاحية في لوفيغارو أن الرئيس الأميركي وضع قمة كوبنهاجن على المحك. فقراره عدم القدوم إليها أولاً قبل السفر إلى أوسلو لاستلام جائزة نوبل، وتأخير مشاركته إلى ختام القمة، أثرا سلباً عليها، وعليه هو أيضاً. وهذا هو ثاني خطأ يسجل عليه، بعد غيابه عن احتفالات الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين. ومع ذلك فعندما يجيء سيد البيت الأبيض إلى الجلسات الختامية في كوبنهاجن، فذلك في ذاته كفيل بإنعاش الآمال المعلقة على القمة. ولكن ينبغي هنا أيضاً عدم الاستسلام للأوهام، بتجاهل صعوبة الانخراط القوي في الجهد البيئي، في ظرف تظلله أزمة اقتصادية كبيرة. ومما يحسب للإدارة الأميركية الجديدة على الأقل أن المسألة البيئية لم تعد "تابو" كما كان عليه الحال في عهد بوش. وإن كان هذا لا ينفي تكاثف المصاعب أمام أوباما لتمرير رؤاه البيئية بالنظر إلى تصلب مواقف الكونجرس. وتختم الصحيفة بالتأكيد أن حضور أوباما إلى العاصمة الدانمركية لن يكون، مع ذلك، كافياً وحده لضمان نجاح القمة. بعيداً عن ذلك، ما زالت الولايات المتحدة والصين، وهما أكثر بلدين مساهمة في تلوث بيئة الكوكب، يعملان جاهدين لإقناع الأطراف الأخرى بتقليص هامش توقعاتها، مما يمكن تحقيقه. ففي سنغافورة دعا أوباما وجينتاو، يوم 15 نوفمبر، إلى عدم إصدار قرارات ملزمة في كوبنهاجن. وبعد ذلك أصدرت أميركا والصين، كلاً على حدة، ولكن فيما يشبه التحرك المنسق، التزاماً بتخفيض الانبعاثات ولكن بسقوف أقل من المأمول. وهنا أيضاً في المسألة البيئية يبدو أن البلدين اللذين أصبحا يعرفان بمجموعة الاثنين G2 يريدان الاستئثار برسم ملامح الأجندة العالمية، في غياب أوروبا طبعاً. إعداد: حسن ولد المختار