سيجتمع بعد يومين قادة دول مجلس التعاون الخليجي بالكويت في قمتهم الثلاثين. وأمام هذه القمة -مثل ما سبقها من قمم- تحديات على أصعدة عدة. على صعيد البيت الخليجي، لم يعد الصمت عن الخلافات الخليجية كفيلاً بإزالتها، فكلما تعامل البيت الخليجي مع خلاف، نشب خلاف آخر، فمن المسألة الحدودية بين بعض الدول، إلى مشكلة التنقل بالبطاقة التي لم تنجز بعد بين الكويت والسعودية، إلى بنك مركزي خليجي لم تتفق الأطراف جميعاً على مقره، فقرارات سوق خليجية مشتركة بقيت حبراً على ورق، بل وحتى العملة الخليجية الموحدة أعلن ثلثا الأعضاء الانضمام إليها (الكويت والسعودية والبحرين وقطر)، وبقي ثلث الأعضاء (عمان والإمارات) خارجها حتى حين. ولعل مثل هذه الاختلافات سهلة في نظر البعض، ولكنها ستكون أسهل لو كانت هناك مرجعية "غير تقليدية" لحل ما قد يطرأ من خلافات بين الدول الأعضاء كإنشاء محكمة عدل خليجية تنظر فيما يحال إليها من خلافات بين طرفين أو أكثر لو لجأوا إليها لحسم خلافهم. من غير المعقول بعد ثلاثين سنة من إنشاء المجلس أن نلوذ بالصمت ولا نتحدث عن بعض ما قد يطرأ من "تباينات" (تخفيفاً لكلمة خلافات) داخل البيت الخليجي، وتجدنا -إعلاماً ومثقفين وكُتّاباً- نتحدث عن كل مشاكل الكون من كوريا إلى إيران، ومن مشكلة التغيرات البيئية الكونية حتى مشكلة المآذن في سويسرا، لكننا لا نجرؤ على فتح حوار حر مفتوح حول الخلافات الخليجية. من المهم ترتيب البيت الخليجي بتنفيذ القرارات الرائعة التي يتخذها القادة في القمم، لكنها لا ترى النور على أرض الواقع، ولا يلمس آثارها المواطن الخليجي، وذلك لغياب محاسبة شعبية تشير بأصابع المسؤولية لمن قصّر في تنفيذ قرارات القادة ولم يترجمها فعلاً. فالحاجة ضرورية لخلق مرجعية شعبية على شكل برلمان خليجي -وإن كان معيناً- لمناقشة التقصير أو القصور، وتسمية الأجهزة المقصّرة في دول المجلس التي لم تقم بدورها بالشكل المطلوب. على الصعيد الإقليمي، فإن التحديات أكبر، فهناك حرب في خاصرة دول المجلس بجنوب المملكة العربية السعودية، ومخطط لاستمرارها وتحويلها إلى حرب استنزاف لإشغال المملكة العربية السعودية وتشتيت جهود دول المجلس، وهناك يَمَنٌ يشكل بعداً مهماً للعمق الخليجي لكنه يترنح من مشاكل داخلية بدأت تجتاز حدوده شمالاً نحو دول الخليج. وفي العراق، لا يزال الدم وانعدام الأمن سيدا الموقف، وهو مقدم على انتخابات تاريخية حاسمة، ومهم لدول المجلس استقراء التطورات وتقديم المساندة والدعم للقوى التي يمكن أن تساهم في توحيد العراق واستقراره. ولا بد أن إيران ستستحوذ على جزء كبير من تفكير القادة، فإيران دخلت في حرب إعلامية غير مبررة مع المملكة العربية السعودية. لكن إيران في الوقت نفسه تعيش علاقات حميمية مع الكويت (الدولة المضيفة للقمة) وأكثر حميمية مع قطر، وممتازة مع سلطنة عمان، وقد لا يكون من المفيد لدول المجلس أن يستمر هذا التفاوت في طبيعة العلاقات بين دول المجلس وإيران، وخصوصاً أن إيران مقبلة على مواجهة وحصار من قبل المجتمع الدولي بسبب برنامجها النووي. قدر مجلس التعاون الخليجي أنه الإطار الوحيد القائم لتنسيق الجهد الخليجي، على الرغم من كل أوجه النقد التي توجه له هنا وهناك، ولكن الوقت ليس في صالح التراخي، والمرحلة قد لا ترحم التأجيل والانتظار.