نعتقد أن أزمة الإعلام الغربي والعربي من خلال تناولهما الأزمة المالية التي أصابت بعض الشركات الخاصة في دبي، كانت أكبر، لأنها خرجت عن سياق الإعلام البناء إلى نهج الإثارة المتسرّعة وإصدار أحكام بالانهيار والسقوط والإفلاس حتى قاربت أن تمس الحكومة التي أفصحت بكل شفافية عن المشكلة بدون أي تردد لتثبت وتعلن عن صلابتها الذاتية التي لن تتأثر بهذا الوجه السلبي لدور الإعلام الحقيقي المتمثل في الحل وليس في البقاء كجزء من الإشكال. وهناك أخطاء فاحشة وقعت فيها بعض وسائل الإعلام عندما قامت بنشر الأخبار الخاصة بشركة دبي العالمية، وخلطت فيها الحابل بالنابل، فقد دمجت الأزمة اللاحقة بالشركة بوضع الحكومة التي تميزت بالتعامل مع وضع الشركة باستقلالية عن الشأن الحكومي، وهذا ما أكد عليه قبل الجميع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. وهو أمر يشاد به عند التعامل مع اقتصاد مفتوح على العالم. والمفارقة أن ذلك الطرح الإعلامي الغارق في السوداوية هو ما لم يحصل عندما أطلت الأزمة برأسها من البوابة الأميركية في العام الماضي، فمراجعة سريعة عبر البوابة الإلكترونية لكل ما ذكر عن الأزمة العالمية وفق كافة الأدبيات الاقتصادية والعلمية لا نجد فيها مثل هذا الهجوم الشرس على إمارة دبي وكأنها السبب الرئيسي للأزمة العالمية، وليست أحد المتأثرين بها، بدرجة ما، مثل بقية العوالم الأخرى. والأشنع من ذلك كله أن هذا الإعلام المأزوم من الداخل، روجت وسائله الحدث "الأزمة" على أساس أنها أزمة حكومة وليست شركة، وهو خطأ فيه الكثير من الشطط والبعد عن الحقيقة، فاختصار حكومة دبي كلها في شركة قابلة لكل احتمالات السوق لا يمكن السكوت عنه. فدبي لم تكن يوماً شركة خاصة، لأنها منذ فجر التاريخ، هي مشروع حضارة مميزة، وهذا هو الجانب الذي يراد إخفاؤه في الأزمة الحالية المفتعلة. فهذا الوجه الناصع لدبي ليس وليد الساعة، بل هو تاريخ ممتد لخمسة آلاف عام من عمر البشرية، فمنذ ذلك الزمن الغابر لم يمر بها فقير إلا اغتنى ولا غني إلا ازداد غنىً. وهي في مشروعاتها اليوم تركب المستحيل وتتحداه حتى تثبت للعالم أجمع أن أزمة المال في دبي ودولة الإمارات معها في وضعها الحالي ليست بأزمة، لأنها لا تخلو من الرجال القادرين على تخطي أكبر التحديات التي تواجه أي مجتمع رضي أن يشاطر العالم بكل تقلباته بصدر رحب وبعقل أرحب وحكمة أوسع. دبي اليوم والغد هي هدف المتربصين من الشامتين، عندما تضيع من بين أيديهم بوصلة الإنصاف وقول الحق في وقت الأزمات. فكما قال صاحب السمو قبل قرابة عقد من الآن، بأن دبي ليست نفطاً فقط، فإننا نبني على مقولته الجوهرة بأن دبي ليست شركة تنهار أو تنهض لأن بنيتها الأساسية هي الإنسان قبل المكان، والرهان كان دائماً على هذا الإنسان البنيان القادر على النهوض دائماً إذا اعترضته أعتى المشكلات. فحري اليوم بالمتربصين بنا إمارة ودولة أن يراجعوا ما يكتبون بلا تحرٍّ ولا دقة، وما يتقولون بلا برهان ساطع من الحقائق، ويتأنوا قبل أن تشهد عليهم ألسنتهم بالكذب الذي مهما طال حبله فإنه أقصر مما يتصورون. فالأيام دول، ودولتنا الراشدة لن تهزها الأقلام والألسن التي تفتقد إلى ذات الرشد، فشتان بين من يعلي صوته بالصراخ، ومن يعمل بصمت لبناء الإنسان في مجتمع فتح قلبه قبل حدوده الجغرافية للعالم ولن تؤثر أوضاع "شركة" في شراكة عالمية اتخذتها الدولة استراتيجية مستدامة لبناء مستقبلها الزاهر.