إعلان وزارة البيئة والمياه، مؤخراً، أنها تتّجه إلى إعداد قانون اتحاديّ للغذاء بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين في مجال السلامة الغذائية في الدولة، ينطوي على أهمية كبيرة تنبع من العديد من الاعتبارات. أول هذه الاعتبارات هو المخالفات الكثيرة التي يتمّ الكشف عنها في مجال الغذاء من قبل الجهات التي تعمل في هذا المجال. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تقوم بها الجهات المعنيّة بالرقابة على سلامة الغذاء في الدولة وإماراتها المختلفة، وعلى الرغم من العقوبات الصارمة التي يتمّ توقيعها على المخالفين، فإن المخالفات لا تتوقّف، ويكشف حجم المخالفات التي يتم إعلانها ونوعيتها في الصحف المحلية عن هذا الأمر بوضوح. والاعتبار الثاني هو أنه في ظلّ العولمة والأسواق المفتوحة، زادت المخاطر التي يتعرّض لها الغذاء كما زادت أهمية الرقابة على الأغذية المستوردة من الخارج. ولعل ما زاد من المخاطر التي تواجه الغذاء ظهور العديد من الأمراض والأوبئة التي يمكن أن تنتقل مع الأغذية من بلد إلى آخر، وفق ما أشار إليه وزير البيئة والمياه، مؤخراً. هذا فضلاً عن الأخطار المتعلقة بالمبيدات والهرمونات التي يتم استخدامها في الزراعة أو تربية الحيوانات وتنطوي على مخاطر كبيرة على الصحة، وتحتاج في الوقت نفسه إلى المتابعة المستمرة من قبل أجهزة متخصصة. الاعتبار الثالث هو أنه إذا كانت المخالفات خطرة في المجالات كلها، فإنها أكثر خطورة في مجال الغذاء، حيث يتعلق الأمر بصحة الإنسان التي تحظى بالرعاية القصوى من الأجهزة كلها في الدولة من منطلق أن الإنسان هو عماد التنمية والهدف منها، ويقع في قلب الرؤية التنموية للقيادة الإماراتية الرشيدة منذ إنشاء الدولة الاتحادية في عام 1971. في ضوء هذه الاعتبارات الثلاثة، فإن وجود إطار قانوني اتحادي للغذاء من شأنه أن يقوّي استراتيجية مواجهة الأخطار التي تعترض سلامة الأغذية في الدولة ويفعّلها، حيث سيوفّر هذا الإطار منظومة قانونية اتحادية واحدة لسلامة الغذاء تحول دون أي اختلاف أو تضارب بين المنظومات المحلية، كما سيوفّر معايير واحدة بما يحول دون استغلال بعضهم اختلاف المعايير الخاصة بسلامة الغذاء بين الإمارات المختلفة في الدولة للإقدام على مخالفات خطرة تضرّ بالصحة العامة دون أن يكون هناك رادع قانوني لهم. فضلاً عن أنه، أي القانون الاتحادي المرتقب للغذاء، سيحقّق التعاون والتنسيق المطلوبين بقوة بين الجهات المختلفة المعنية بسلامة الأغذية على مستوى الدولة، بما يعنيه ذلك من تقوية للإطار المؤسسي الذي يتمّ من خلاله التعامل مع هذه القضية المهمة. إن اهتمام الدولة بسلامة الغذاء ووضعها الأطُر القانونية والمؤسسية اللازمة لتحقيق هذه السلامة وملاحقة أي إخلال بها أو أي محاولة للعبث بصحة الإنسان من خلالها، إنما يندرجان ضمن رؤية وطنية شاملة تؤكّد أمرين: الأمر الأول هو تطبيق أعلى المعايير العالمية في الأداء على المستويات المختلفة ومواجهة أي تقصير أو مخالفة في هذا الشأن من خلال تفعيل الرقابة وتقويتها، بحيث تكون رادعاً لكل مظاهر الخلل والمخالفة، والأمر الثاني هو إعطاء مفهوم التنمية البشرية أولوية قصوى من منطلق الموقع المتقدم والمحوري للإنسان في الرؤية التنموية الشاملة لقيادتنا الرشيدة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية