يبدو أن المنطقة العربية مقبلة على المزيد من التضييق على الحريات، واستهداف الشخصيات المعنية بالإصلاحات التي تحتاجها الشعوب. فخلال الأسبوعين الماضيين وقعت عدة أحداث تؤيد هذه النظرة المتشائمة حول فرض المزيد من القيود على حرية الكلمة خاصة، والحريات الشخصية عامة. فلقد تم استدعاء مذيعين ليبيين إلى ساحة القضاء بعد أن أوقف برنامجهم على الإذاعة الليبية بسبب تناوله قضية الفساد. كما تعرض الصحفي العراقي عماد العبادي مدير تلفزيون "الديار" إلى حادث إطلاق نار فأصيب في الرأس والرقبة، وهو يرقد حالياً في أحد مستشفيات بغداد. ومعروف عن العبادي أنه أحد منتقدي الوجود الأميركي في العراق. وكان صريحاً وجريئاً في إبداء رأيه في هذه القضية. ولقد أدان الاتحاد الدولي للصحافيين محاولة الاغتيال، وطالب بأن يتم العثور على الجناة وإحضارهم للعدالة. ووجه الاتحاد الدولي اللوم إلى وزارة الداخلية العراقية وعلى رأسها الوزير المعني، في مسؤوليتها عن فشل الحكومة في تحريك هذا الملف. كما أصدرت النيابة في دولة الكويت قراراً بحبس الصحافي محمد عبدالقادر الجاسم إثر رفضه دفع كفالة بمبلغ ألف دينار بعد أن رفع رئيس الوزراء الكويتي قضية تشهير على الجاسم بعد حديث الأخير في إحدى الديوانيات الكويتية. وهنالك قضية أخرى رفعها رئيس الوزراء بسبب مقال كتبه الجاسم في أغسطس الماضي تضمن اتهامات لمؤسسات إعلامية تقوم- حسب الجاسم- بتأجيج التوترات الطائفية بين السنة والشيعة. ويوم 25/11/2009 أصدرت النيابة العامة قراراً بحجز الجاسم حتى تاريخ 1/12/2009 ما لم يدفع الكفالة. ويعتبر بعض حقوقيين أن قضية الجاسم قضية حرية. ولقد طالبت منظمة العفو الدولية بمناشدة السلطات الكويتية بسرعة إطلاق سراحه لأن ما قاله يمثل وجهة نظره وممارسة سلمية لحقه في حرية التعبير، كما يدعو لذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1966. وفي مقابلة للدكتور عبيد الوسمي أستاذ القانون الإجرائي بجامعة الكويت مع تلفزيون "الراي" هذا الأسبوع تطرق إلى وجود أخطاء قانونية في التحقيق الذي تم إجراؤه مع الجاسم. ماذا يجري في المنطقة العربية؟! بصراحة، نحن نعتقد أنه مع تطور الوعي، ونضج الشعوب، وتوقيع الحكومات على المواثيق الدولية الخاصة بالحريات والعدالة والمساواة بين الناس، يجب أن تتسع الصدور، وتزال الشكوك وحملات الريبة ضد الحريات، وخاصة في مجال الإعلام. وخصوصاً إن كان القصد البيـّـن للكلمة هو مصلحة الجماعة! كما أن اللجوء إلى حبس صاحب الرأي إجراءٌ تجاوزته الأيام. فصاحب الرأي يجب أن يُجازى. والمواطن المعروف لا يحتاج إلى أن يدفع كفالة تضمن حضوره للنيابة أو المحاكمة. ولربما اتخذ إجراء أخف بمنعه من السفر إلى حين انتهاء التحقيق، ولكن دون منعه من مشاركة أطفاله فرحة العيد! نقول هذا تضامناً مع أي زميل يتعرض لسلب حريته بسبب رأيه. ونحن نعلم أن قانون الإعلام بدولة الكويت لا يتضمن أية عقوبة بالسجن ضد صاحب الرأي؛ بل الغرامة، وهذه تقرها المحكمة. إننا ندرك أن تشعب أدوات الإعلام، والمطالبات بالمزيد من الحريات سوف توفر مناخات جديدة للكتابة ولردود الأفعال. كما أن الممارسة الديمقراطية ومطالبات الشعوب والمؤسسات الدولية بتبديل القوانين الخاصة بالإعلام -والتي تقيّد الحريات- ستعزز الحاجة إلى التفريق بين "جرائم" النشر أو الإعلام والجرائم الأخرى المتعارف عليها. ولا يجوز أبداً أن يتم الزج بصاحب الرأي -مهما كان مستواه- في زنزانة مع القاتل أو المختلس أو مهرب المخدرات! لقد عبَر الإعلام الحدود، وهدم أستار الرقابة، وما كان لا يقال بالأمس ولو تلميحاً أصبح متوفراً على كافة الوسائط الإعلامية وأهمها الإنترنت؛ وإن كرهت ذلك بعض الأنظمة! كما أن تحديث التشريعات -بعد أن وقعت الحكومات على المعاهدات الدولية- كان يعني اتجاهاً نحو الإقرار بكرامة الإنسان وبحقوقه الأساسية ومن ضمنها حقه في إبداء رأيه. وقبل هذا كله فإن العنف ضد صاحب الرأي واللجوء إلى الاعتداء الجسدي -كما حصل للإعلامي العراقي (العبادي) أو العنف في اتخاذ القرار مثلما حصل في وقف برنامج تناولَ الفساد؛ كما حصل لفريق العمل الإذاعي الليبي؛ لا يمكن أن يُحتمل في عصر الفضاءات المفتوحة، وعصر التحديث، وبناء العلاقات مع الأمم الراقية التي تعتبر الحريات أسمى أساسيات حقوق الشعوب.