المضاربون فائقو السرعة أصبحوا مشكلة كبيرة ليس لأسواق المال الخليجية فحسب، وإنما لأسواق المال العالمية أيضاً، التي كانت أكثر استقراراً في فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية. وتتمحور آلية عمل هؤلاء المضاربين في اقتناص الفرص من خلال الأخبار الصادرة من الجهات الرسمية والمؤسسات الاقتصادية الكبيرة، فيعمدون إلى رفع أسعار الأسهم بنسب كبيرة تحت ضغط أخبار سلبية تتعلق بالاقتصاد الكلي، كارتفاع معدلات البطالة أو تدني نسب النمو في البلدان الصناعية أو رفع الأسعار من خلال أخبار إيجابية، حيث يستطيع المضاربون فائقو السرعة في الحالتين جني أرباح كبيرة على حساب صغار المستثمرين الذين ينجرُّون تحت ضغوط وسائل الإعلام التي تسخر كل إمكاناتها لرفع وتيرة التفاؤل أو التشاؤم لدى المستثمرين. وللأسف، فإن وسائل الإعلام العالمية ليست بعيدة عن مصالح المضاربين العالميين، بل إنها ربما تحصل على قطعة من كعكة المعركة التي أثارتها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الإعلانات وجذب المشاهدين. وفي نهاية شهر نوفمبر الماضي أثيرت زوبعة كبيرة حول إعادة هيكلة ديون دبي العالمية وانخفضت الأسعار في البورصات العالمية، بما فيها الخليجية، بنسب حادة بلغت أقصاها في قطر، حيث انخفضت سوق قطر للأوراق المالية بأكثر من تسعة في المئة في يوم واحد، لتعاود الصعود بأكثر من 5 في المئة في اليوم التالي، علماً بأن الشركات القطرية بعيدة نسبياً عن مبالغات الزوبعة المثارة. وبالإضافة إلى أسواق المال، فإن هذه المضاربات تطال سلعاً مهمة كالنفط والذهب وأسعار العملات، بحيث أصبحت ألاعيب المضاربين مدعاة للضحك أحياناً، فعندما يقوم فقراء نيجيريا بثقب أحد أنابيب النفط بهدف السرقة، فإن ذلك يهدد إمدادات النفط العالمية، وبالتالي ترفع الأسعار تحت ضغط هذه المخاوف. والمشكلة أن صغار المستثمرين لا يتعلمون من تجاربهم، كما أنهم لا يدققون في أداء الشركات المساهمة والنظر في بياناتها المالية، بل إنهم يسايرون المضاربين ضمن ما يسمى بتوجهات القطيع، فبعض الشركات الإماراتية والقطرية والخليجية بشكل عام، والتي انخفضت أسعارها بالحد الأدنى في أكثر من جلسة تداول، تحقق نتائج جيدة وتقوم بتوزيعات سنوية مجزية، بدليل ارتفاعها في بداية الأسبوع الجاري، وإذن ما الهدف من بيع سهم شركة معينة بسعر درهمين، وربما بخسارة، في الوقت الذي تقوم فيه هذه الشركة بتوزيع 25 فلساً عن كل سهم، أي ما يعادل 12.5 في المئة، وهي نسبة كبيرة إذا ما قورنت بعائد الاستثمار في الأنشطة الأخرى. والغريب في الأمر هو الكيفية التي يقوم بها المضاربون فائقو السرعة حول العالم بتنسيق تحركاتهم، هل هناك إشارات معينة للدخول والخروج من الأسواق على سبيل المثال، فالتناغم بين حركات التداول في البورصات العالمية أصبح حركة منظمة وتثير الارتياب! وللأسف، فإن صغار المستثمرين غير قادرين على مسايرة توجهات المضاربين فائقي السرعة، أولا لعدم وجود إمكانات مالية كبيرة لديهم، وثانياً لارتباطهم الضعيف بوسائل الإعلام العالمية المتنفذة والمستفيدة من حالة الهيجان التي تقودها بين فترة وأخرى. وربما لو كان الاقتصاد العالمي أكثر استقراراً لكانت تحركات المضاربين محدودة ومكشوفة، إلا أن التقلبات الكبيرة المتوقعة في عام 2010 والناجمة عن التقاط العالم لأنفاسه بعد الأزمة تتيح ظروفاً مثالية لهؤلاء المضاربين لتحقيق مكاسب كبيرة في الأشهر القادمة. ولذلك، فإن من الحكمة ألا ينجر صغار المستثمرين وراء عملية الهيجان الإعلامي، وأن يختاروا الشركات المساهمة ذات الأداء الجيد والتوزيعات المجزية، وأن يتصرفوا كمستثمرين وليس كمضاربين، فالمضاربات تفوق قدراتهم وإمكاناتهم وربما تكبدهم خسائر كبيرة، وذلك على عكس المكاسب التي يمكن أن يحققها المستثمر الصغير طويل النفس والذي يحسن الاختيار. د. محمد العسومي