نفهم ونتفهم سبب تلك الزوبعة الإعلامية الأجنبية حول دبي على خلفية القرار الذي أعلنته شركة "دبي العالمية" حول شروعها في إعادة هيكلتها الداخلية، وما أثير من تخرصات مغرضة منذ بداية الأزمة المالية العالمية... فالإعلام الغربي له أهدافه المفهومة من وراء تناوله لموضوع "دبي العالمية"؛ فمنذ بدأت دبي تحقق نجاحاتها المتسارعة في مجالات الأعمال المختلفة، ومنذ أن بدأت البحث عن طرق أخرى لإثبات وجودها على خريطة الاقتصاد العالمي... فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن دبي نجحت في إثبات وجودها بل وإبهار العالم طوال السنوات الماضية. وهذا الوضع يبدو أنه لم يكن مستساغاً للبعض في الغرب، وبالتالي فمنذ زمن وفي أية فرصة سانحة تجدها الصحافة الأجنبية لانتقاد دبي فإنها لا تفوتها، حتى ازدحام الشوارع الذي عانت منه دبي منذ ثلاث أو أربع سنوات كان بمثابة قصص يومية للإعلام الأجنبي للانتقاص من إنجازات دبي التي صارت ظاهرة للجميع. وعلى الرغم من أن أغلب العرب والإعلام العربي اعترف لدبي بريادتها، فإن البعض كشف في الآونة الأخيرة عن وجهه الحقيقي؛ فمن الأمور غير المتوقعة في وقتنا الحالي موقف بعض وسائل الإعلام العربية التي بدت وكأنها كانت تنتظر حدوث أبسط مشكلة في دبي كي تكشف عن مواقفها تجاه الإمارة وتبدأ بالشماتة... بل لا يكف بعضها عن التبجح مردداً أنه أشار منذ سنوات إلى "فقاعة العقار" في دبي، وأن تنبؤاته تحققت الآن، وبالتالي فهو سعيد لأن توقعاته الواهمة قد حلّت في وهمه المريض! غريب هذا الموقف وغريبة هذه النظرة السطحية لدبي وما حققته، وأغرب من ذلك أيضاً تضخيم قرار داخلي لإحدى الشركات يحدث مثله يومياً في أنحاء العالم دون أن يعلق عليه أحد! فدبي موجودة وستبقى رائدة ومتألقة كما كانت طيلة سنوات طويلة... وكما أن الطفرة التي عاشتها وما زالت تعيشها، لم تكن هي بدايتها الأولى، فإن اللغط الحالي حول "دبي العالمية" لن يكون نهاية طموحاتها، فما أنجزته الإمارة أكبر من أن تستطيع إلغاءه محاولات إعلامية فجة ومغرضة. في هذا الموضع الذي ستتكشف للجميع حقائقه وأبعاده قريباً، وهي بالضبط ما أُعلن عنه رسمياً، غريبة هي القراءة التي قدمها حوله البعض، لاسيما حين يتضح أنهم لم يكونوا سعداء بما تحققه دبي من تقدم في مختلف المجالات، وليس المجال العقاري فقط. فتجربة دبي في صناعة السياحة فريدة تستحق الوقوف أمامها باحترام وإجلال... وتجربتها في تطوير الإدارات الحكومية وخدماتها هي نموذج تحتذي به كثير من دول العالم وتحاول مواكبته... وتجربتها في استخدام التكنولوجيا لتبسيط المعاملات الإدارية واعتماد الحكومة الإلكترونية، رائعة لا تضاهيها في مجالها تجارب كثير من دول العالم المتقدم. أما استتباب الأمن والأمان في مدينة بها كل جنسيات العالم، بمختلف ثقافاتهم وخلفياتهم الاجتماعية والسياسية والنفسية، فهو أمر لا يمكن تجاهله. هذا إضافة إلى البنية التحتية المتينة والأكثر تطوراً التي أنجزتها دبي، والتي هي بشهادة الجميع أفضل بنية تحتية في المنطقة بأسرها. ومما يزيد الاستغراب في هذا الموضوع، أن إنجازات دبي هي إنجازات لكل العرب، وهذا ما كرره دائماً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حين أكد في كل المواقف أن ما يتحقق من منجزات ومكتسبات في دبي هو مكسب لكل العرب... وهكذا ينظر الغرب إلى دبي، فعندما يصفها إعلامه لابد أن يقول عنها إنها مدينة عربية وسط الصحراء استطاعت أن تسجل حضورها العالمي... واليوم ورغم تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتأثيراتها على اقتصادات جميع الدول في أنحاء الكرة الأرضية، فإن ما حدث في دبي خلال عشر سنوات الماضية، يستحق الإشادة، فهو إنجاز عظيم وبكل المقاييس، وقلما يتكرر مثله -بالنوع والحجم- في تاريخ البشرية، وإن كان يكشف مرة أخرى عزيمة الإنسان وإرادته، ويعطي صورة لمشاركة جميع جنسيات الأرض في تحقيق حلم إمارة. دبي لم تستثمر في الإسمنت والحجر، كما يروج بعض المغرضين، وإن كان قطاع العقارات والإنشاءات فيها قد شهد ازدهاراً خلال العقد الماضي، تعبيراً عن حالة الازدهار العام فيها... بل كان للإنسان فيها النصيب الأكبر من الاهتمام؛ في أهداف التنمية وجهودها وثمارها. والعرب الذين يعيشون في دبي يعرفون تماما ما معنى أن يعيش المرء في دبي... فهي مدينة ديناميكية متحركة متطورة متغيرة أسرع مما يتوقعه الجميع، وذلك لكونها مدينة تحاول أن تكون الأجمل والأفضل والأرقى. بعض العرب في الخارج ينتقدون الحكومات العربية إذا اشترت الأسلحة والطائرات الحربية والدبابات والمدرعات... بمليارات الدولارات، والبعض الآخر ينتقدون تلك الحكومات إذا استثمرت أموالها في الدول الغربية ولم تستثمرها في بلادها... لكنها عندما تفعل عكس ذلك يستمرون أيضاً في انتقادها ويبحثون عن الأخطاء فقط وكأنهم لم يروا استثمارا ولا إنجازا على أي صعيد. لكل تجربة إنسانية نجاحاتها... أما الانتقاد لمجرد الانتقاد وإظهار الشماتة، فذلك من أبسط ما يمكن أن يقوم به البعض، لكن الأصعب هو العمل، أي ما لا يستطيع العاجزون أن يقوموا به، إنه خاص بالمتميزين حصرياً. لذلك أقول إن تجربة النهوض في دبي ليست فيلما سينمائيا، بل تجربة حقيقية راسخة الجذور وقوية الأركان وثابتة على أرض الواقع، واقع لا يمكن لأحد إنكاره، يشهد بكل شبر منه على سلامة التجربة ومتانتها.