منذ العدوان الصدَّامي على الكويت، شهد العالم العربي ظاهرة جديدة تتمثل في العداء بين الشعوب العربية. فمن المعروف أن العداء غالباً ما يكون بين الأنظمة السياسية. فمنذ عهد جمال عبدالناصر بدأت ظاهرة معاداة النظام الناصري للأنظمة المحافظة أو الملكية، لكن ظلت العلاقات بين الشعوب غير عدائية. ولم تتوقف هذه الظاهرة إلا بعد نكسة عام 1967، ووصول السادات إلى الحكم حيث أخذ في تحسين العلاقة مع هذه الأنظمة مع تحول السياسة المصرية إلى السياسة الأميركية. لكن بخلاف ذلك جاء العدوان العراقي على الكويت بظاهرة العداء بين الشعوب، فجرح العلاقات الكويتية- العراقية لا يزال ينزف بسبب الأسرى الذين أعدمهم الطاغية صدام حسين، وهي قضية لا تزال قائمة. ولكن ما هو غريب في عالم العلاقات العربية- العربية أن تكون كرة القدم بالذات سبباً في تدمير هذه العلاقات كما حدث في حالة مصر والجزائر مؤخراً، وأدت إلى تسميم العلاقات بين البلدين إلى درجة الكراهية بين الأفراد. أعتقد أن الأمر يتعلق بشعوب حائرة في حياتها. وبدلا من توجيه السخط إلى الأنظمة السياسية التي لم تحقق نجاحاً في التنمية وحل مشكلة البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور مستوى التعليم وما إلى ذلك من أوضاع معيشية سيئة لا تخفى على الباحثين، وفي ظل انعدام تحقيق تقدم في المجتمعين المصري والجزائري، لم يبق من مجال للنجاح سوى الكرة وخاصة كرة القدم في مجال النهائيات للبطولات المختلفة، وهذا ما حدث مع الشعبين المصري والجزائري اللذين وجها حيرتهما الحياتية، إلى سل العداء تجاه بعضهما بعضاً بالكلام الجارح، ثم قام الإعلام السيئ بدوره المجرم في صب النار على الزيت مما سمم العلاقات بين الشعبين إلى درجة تبادل الاعتداء الجسدي. وما أن تغلبت الجزائر على مصر في السودان حتى بلغ العداء ذروته، وقامت إحدى الفنانات بإعادة الجوائز التي منحتها إياها الجزائر كنوع من الاحتجاج. وكل ما سبق دليل على أن هذه الشعوب حائرة في حياتها فقامت بتوجيه حيرتها إلى طرف آخر في قضية لا أهمية لها على المستوى الحياتي. ففوز مصر الأول لن يحل مشاكل الشعب المصري، ولا الفوز الجزائري في السودان سيحل مشاكل الجزائريين في بلادهم. وكما هو معروف أن بعض الأنظمة غالباً ما تخلق المشاكل الصغيرة لكي ينشغل الشعب بها. لكن هذه المرة ذهب الشعبان بحيرتهما ضد بعضهما بعضاً. للأسف أن تتدهور العلاقات بين نظامين عربيين في ظل استقواء إسرائيلي بالاستمرار في بناء المستوطنات، وعدم الحرص على العمل على تحقيق السلام مع الفلسطينيين، لأنها تعلم الضعف العربي في كل الجوانب وليس العسكري فقط. وتأتي أزمة الكرة لكي تزود إسرائيل بالدليل على أن هذه الشعوب لن تستطيع أن تتغلب عليها وهي التي غدت تصنع الدبابات والأسلحة وتثبت نفسها علمياً بتعليم متطور وعلمي.