ها نحن نرى أسبوعاً مضطرباً آخر في واشنطن، وقد وصل إلى نهايته وسكن غباره، وذلك بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما بشأن أفغانستان، والذي عالج قضايا حاسمة رغم أنه لم يؤد سوى إلى تغيير طفيف في بيئتنا السياسية المنقسمة على نفسها. ولا يزال مجلس الشيوخ يحاول جاهدا تمرير تشريع الرعاية الصحية، قبل أن يؤجل جلساته بمناسبة أعياد رأس السنة. كما لا تزال الإدارة تواجه الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أميركا، وإن كانت قد غدت مفعمة الآن بمخاوف وقلق، مؤداهما أنه رغم وجود بعض المؤشرات على التعافي فإن ذلك لم يكن مقرونا بتحسن في نسبة التشغيل وتقليل عدد المتعطلين. وفيما يتعلق بموضوع الرعاية الصحية، فإن الأغلبية الديمقراطية لا تزال غير قادرة على تأمين الستين صوتا التي تحتاجها للتغلب على المحاولات التي يبذلها الجمهوريون، لإعاقة تمرير مشروع قانون الرعاية الصحية. ونظرا لحاجته إلى أصوات 60 عضوا من أعضاء مجمعه الانتخابي، فإن الحزب أمضى الأسبوع الماضي في محاولات مضنية، للتوصل إلى إجماع على عدد من القضايا الخلافية، وهي: * الإجراءات المطلوبة لتخفيض التكلفة الإجمالية لمشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية. * الطرق الكفيلة بحماية ما يطلق عليه الرأي العام "برنامج تأمين غير ربحي يتنافس مع/ ويساعد الشركات الخاصة لتخفيض تكلفة التأمين". * عدد من الموضوعات الخلافية الأخرى؛ مثل الحد الذي ينبغي عنده تكثيف القيود على موضوع تمويل الإجهاض، وما إذا كان من الواجب وضع حدود للاختبارات الطبية المكلفة. في كل موضوع من هذه الموضوعات تواجه القيادة الديمقراطية مأزقا. والميل بأكثر مما ينبغي نحو موقف الليبراليين يمكن أن يعرض تلك القيادة لخطر فقدان أصوات الأعضاء الأكثر اعتدالا في المجمّعْ، في حين أن الإخفاق في معالجة هموم الليبراليين يمكن، بنفس المنوال، أن يكلف أصواتا. ونظرا لأن الديمقراطيين ليس لديهم سوى 60 سيناتوراً، فإن الإجماع أمر ضروري لتمرير أي مشروع قانون. وفي الوقت الذي تظل فيه القيادة الديمقراطية على ثقة بأنها قادرة على تمرير تشريع إصلاح الرعاية الصحية قبل عطلة نهاية العام، فإن ذلك لا ينفي أن الوقت ينفد سريعا وأن هناك قلقا متناميا لدى تلك القيادات، بأنهم إذا ما عادوا إلى ولاياتهم دون مشروع قانون، فإن أي زخم يتوافرون عليه في الوقت الراهن، سيكون قد تقلص عندما يعودون مجددا للعمل في يناير عقب العطلة. والرعاية الصحية ليست الموضوع الوحيد على أجندة الإدارة، إذ يعتبر الاقتصاد، وبطء إيقاع التعافي، من أولوياتها القصوى. حتى الآن لا تتوافر مؤشرات واضحة على أن الاقتصاد يتعافى بالدرجة التي تمكنه من تقليص المعدل العام للبطالة الذي يتراوح في بعض المناطق بين 20 و25 في المئة. وهناك ضغط حقيقي من قبل الديمقراطيين في الكونجرس من أجل دفع مشروع قانون يعمل على توفير أعداد كبيرة من الوظائف. ورغم أن البيت الأبيض غير مستعد لتبني مشروع قانون لإيجاد وظائف بسبب الأموال الطائلة التي ضخها في شرايين الاقتصاد، فإنه يدرك في ذات الوقت ضرورة تبني هذه المشكلة، والعمل على حلها. انطلاقا من هذا الإدراك عقد البيت الأبيض "قمة للوظائف" الأسبوع الماضي أتبعها الرئيس بسلسلة من الخطب والأحاديث عن الوظائف والاقتصاد في مواقع عديدة عبر الولايات المتحدة. لكن الاهتمام بهذه الموضوعات خفت لعدة أيام، وذلك بعد خطاب أوباما عن أفغانستان. وكان أوباما قد أمضى شهورا وهو يفكر في رسم استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في أفغانستان استجابة للتقارير التي كان قادته هناك يطالبونه فيها بإرسال 40 ألف جندي أضافي. والواقع أن أوباما كان بين وضعين أحلاهما مر بصدد البلدين. وخطابه، وإن كان معقولا وعميقا، فإنه لم يكن له سوى تأثير ضئيل في تغيير هذه الديناميكية. ورغم أن بعض كبار السيناتورات قد ألقوا كلمات وأدلوا بتصريحات أعلنوا من خلالها تأييدهم لنهج الرئيس الذي كشف عنه في خطابه، فقد لوحظ أن بعضهم التزم الصمت... أما الديمقراطيون في مجلس النواب فكانوا أكثر صراحة في التعبير عن موقفهم من القرار، وذهب بعضهم إلى انتقاده بحدة، خصوصاً فيما يتعلق بإطالة أمد المهمة الأميركية في أفغانستان. يرى بعض هؤلاء الديمقراطيين أن أفغانستان قد تتحول إلى "فيتنام أوباما"، لكن الرئيس يرى أن الظروف مختلفة جد الاختلاف بين الحالين... وهو على حق في ذلك إلى حد ما. لو أخذنا في الحسبان الموضوعات الكبيرة المطروحة على الطاولة حالياً، والموضوعات التي تنتظرنا عند كل منحنى؛ المناخ وتشريع الطاقة، وإصلاح الهجرة. إنني أشعر بالقلق من أن يتأثر مجهود الرئيس أوباما من أجل تأمين وتعزيز الطريق إلى هذه الأجندة الأوسع نطاقا، بالحرب الآخذة في التوسع، خصوصا عندما يأتي مايو المقبل حين ترتفع عديد القوات إلى 100 ألف جندي، ويؤدي ذوبان ثلوج جبال أفغانستان إلى زيادة درجة العنف، وزيادة معدل خسائر الأميركيين، ما يؤدي بدوره إلى هز ثقة أميركا بنفسها، وزيادة معارضة الديمقراطيين للحرب. على كل حال، مع انتهاء أسبوع وبداية أسبوع جديد، سوف تعود الموضوعات الحرجة إلى واجهة الاهتمام في بيئتنا السياسية التي يسودها الجدل.