عشية القمة الثلاثين لمجلس التعاون، التي تستضيفها دولة الكويت في الأسبوع القادم، يبرز تساؤل ملح يطرح نفسه عن مكانة وإنجازات وتحديات المجلس، مع ضرورة استشراف مستقبله باعتباره أنجح وأطول تجربة إقليمية عربية. ومن قمة أبوظبي الأولى للمجلس التي أسست الكيان الخليجي الذي يضع سقفاً طموحاً على طريق التكامل وصولاً للوحدة، إلى قمة الكويت الثلاثين التي تسعى لتكريس ذلك التكامل والتنسيق، يمتد الطريق إلى الوحدة التي لا زلنا ننشدها، في واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم بما تملكه من ثروات طبيعية من نفط وغاز، واستثمارات عالمية عن طريق صناديق الثروات السيادية التي تلعب دوراً رئيسياً في الاقتصاد العالمي. لقد انصرفت دول المجلس في العقد الماضي إلى القضايا التنموية والاقتصادية، وتحولت عواصمها إلى مدن يُضرب بها المثل في التميز والتطور والتقدم. واستفادت المنطقة من الثروات الطبيعية من بترول وغاز تصل إلى حوالي 50 في المئة من احتياطيات النفط المعروفة عالمياً، واستثمارات وصناديق سيادية تعطي دول المجلس ومعها الدول العربية ثقلاً ووزناً يبقيها من ضمن اللاعبين المؤثرين سواء في أمن الطاقة واستقرار أسعارها، أو في قطاع الاستثمارات الدولية وسوق الأسهم والعقار. كما ساهمت دول المجلس بقوة في دعم التنمية في الدول العربية الأقل ثراء، وساعدت في تنميتها عن طريق صناديق التنمية الكويتية والسعودية والإماراتية وغيرها. ولكن بعد ثلاثة عقود من قيام المجلس فإن الهواجس الخليجية الأمنية والدفاعية، التي كانت هي السبب الرئيسي لتشكيل هذا التحالف السياسي المميز في محيطه العربي، تبقى ماثلة أمام دولنا ونحن نقترب من إطفاء الشمعة الثلاثين على قيام المجلس، حيث تستمر المعضلة الأمنية لدولنا مؤرقة ومتحدية، وتتمثل في عجزنا مجتمعين عن صياغة استراتيجية متكاملة تشكل درعاً وحصناً لدولنا ومجتمعاتنا من أخطار التهديدات الأمنية في المنطقة. وتبقى المعضلة الحقيقية لدول المجلس، أنه على رغم نجاحنا في البعد الاقتصادي بالتوصل إلى اتفاقيات وسوق خليجية واتحاد جمركي، إلا أننا لم ننجح في الشق الأمني والعسكري رغم دروس وعِبر فاجعة وكارثة الاحتلال العراقي للكويت قبل عقدين من الزمن. وكذلك لم نحقق نجاحات وإنجازات بين دولنا لتخفيف الاعتماد الكلي على الأمن المستورد. وتبرز الحاجة ملحة وبعد أن تجاوز عمر المجلس سنوات التأسيس، وبعد سلسلة الإنجازات والتوقعات التي لا تعكس ما يطمح إليه قادة وشعوب المجلس، وبعد أن عانينا من تعاقب التهديدات والتحديات، لأن يلعب المجلس دوراً يتناسب مع حجمه وتطلعاته، ويضطلع بالمهام الرئيسية المطالب بالتصدي لها، والتعامل معها. ولم يعد مقبولاً أن يبقى المجلس متأثراً ومشاهداً وليس مؤثراً ولاعباً، يساهم ويتصدى ويقدم أطروحاته ومبادراته، خاصة في ظل استفحال الخطر والتهديدات والحروب التي ظلت تتفجر في منطقتنا في كل عقد من العقود الثلاثة الماضية. وسيبقى التحدي الحقيقي لصلابة وتماسك ودور المجلس المستقبلي هو النجاح في التوصل إلى صيغة أمنية فيما بين دولنا الست، بحيث تجتمع من خلالها القوى الفردية وتنصهر في قوة جماعية ننجح من خلالها في تفعيل الأمن الجماعي الذي عجزنا عن تحقيق اختراق فيه يُوحد جهودنا ويردع خصومنا. حيث عانت دولنا الصغيرة، والكبيرة، من تداعيات التطورات الأمنية والحروب العسكرية والخلافات السياسية والاقتصادية المتلاحقة التي عصفت بدولنا ومنطقتنا خلال العقود الثلاثة الماضية. إن القوة الاقتصادية هي المفتاح الحقيقي الذي يجب توظيفه للنجاح في التحول إلى رقم صعب في معادلة الأمن الخليجي. وإذا لم ننجح في تفعيل تلك القوة الناعمة بشقيها -الطاقة والمال- فلن ننجح في تحقيق النقلة النوعية التي طال انتظارها نحو المستقبل لهذا المجلس بما يلبي طموح وآمال حكامه وشعوبه. وهذا هو التحدي الحقيقي لنا جميعاً.