كيف يمكن لأوباما أن ينتشل عربة سلام الشرق الأوسط من الوحل والطين؟ لن يستطيع ذلك.. على الأقل قبل أن يحس قادة المنطقة بذات الإحساس بحراجة الموقف، بما يدفعهم لتحمل المخاطر اللازمة لتحقيق اختراق ملموس. وفي الوقت الراهن، يشعر القادة العرب والإسرائيليون أن أوباما في عجلة من أمره، بشكل يتجاوز ما هم عليه بالفعل.. ولذلك فإنهم يكتفون الآن بتركه يتولى الجزء الأصعب من العمل، وليضع على كاهله الأعباء الأثقل. وينصح البعض أوباما بترك العرب والإسرائيليين يعانون نتيجة أعمالهم، حتى يدركوا بأنفسهم أن الموقف حرج بالفعل. والمشكلة بالنسبة لهذا النهج من التعامل، هو أن الطبيعة، وخصوصاً في الشرق الأوسط، تمقت الفراغ. ففشل الإدارة الأميركية في إقناع الطرفين بالجلوس إلى مائدة الحوار، أتاح الفرصة لفرنسا للمطالبة بعقد مؤتمر دولي، كما دفع الفلسطينيين إلى السعي من أجل تصويت مجلس الأمن الدولي على إعلان قيام دولة فلسطينية من طرف واحد، ودعا البعض لفرض حل. وهذه الأفكار والمقترحات لا يمكن أن تصل إلى أي نتيجة بدون قيادة أميركية. ولكن الأمر قد ينتهي بها إلى الاستقرار فوق عاتق أميركا دون غيرها، مما يعرض إدارة أوباما لمواجهة المزيد من الصعوبات في إيجاد حل عن طريق التفاوض لإنهاء الصراع العربي/ الإسرائيلي. والأسوأ من ذلك أن "حماس" تكتفي بالانتظار إلى أن تحين اللحظة المناسبة لها للتقدم وملء الفراغ الذي سينشأ عن استقالة عباس، بسبب يأسه من عدم قدرته على تحقيق حل عن طريق التسوية. ومحاولة "حماس" لملء الفراغ ستستفيد بلاشك من صفقة تبادل الأسرى المنتظرة مع إسرائيل، والأوضاع المتوترة بشأن القدس.. وهي ذات العوامل تقريباً التي أطلقت شرارة الانتفاضة الثانية. وإذا ما كان التخلي عن الجهود، وترك الساحة، يعد عملا مسؤولا من جانب الولايات المتحدة.. فما هو البديل للمضي قدماً على طريق التسوية؟ في هذه المرحلة، سيكون من قبيل الحكمة أن تبادر واشنطن بتخفيض سقف توقعاتها، وتكتفي بتحقيق نتائج ملموسة في المدى القصير. ويتطلب هذا العمل مع بعض القادة الذين يحسون بأن الأمور لم تعد تحتمل التأجيل. وهناك مرشحان لذلك في الوقت الراهن هما سلام فياض، ونتنياهو. لقد اشتغل فياض لفترة على افتراض مؤداه أن الفلسطينيين يجب أن يظهروا أنهم قوم يمكن الاعتماد عليهم حتى تتفاوض معهم إسرائيل بحسن نية.. وبدلا من الاستمرار في لعب دور الضحية عمل فياض على بناء الدولة الفلسطينية من الأساس. والحقيقة أنه حقق تقدماً معتبراً. فالشرطة الفلسطينية نجحت في بسط الأمن والنظام في المدن الكبرى في الضفة الغربية، وتستعد في الوقت الراهن للاضطلاع بنفس الدور في كافة المناطق التي كانت إسرائيل قد تخلت عنها للسلطة الفلسطينية بموجب "اتفاق أوسلو"، ثم قامت باحتلالها مجدداً أثناء الانتفاضة الثانية. وبالإضافة إلى ذلك، أسس فياض نظام محاسبة شفافاً للحكومة وخصوصاً في المجالات المالية، وهو ما ساعد على تحسين الأوضاع في الضفة. فعلى رغم الأزمة المالية العالمية فمن المنتظر أن تشهد الضفة الغربية نمواً برقمين عشريين خلال الربع الأول من عام 2010. ولكن المشكلة التي يواجهها فياض هي أنه إذا ما استقال عباس، ولم تستأنف المفاوضات السلمية، فسيجد نفسه بلا غطاء سياسي. وهذا تحديداً هو الذي يعزز إحساسه بالإلحاح، وأن الوقت لا يحتمل المزيد من الإبطاء. وهو بحاجة لأن يظهر أن الطريق الذي ينتهجه قادر على تحقيق تقدم ملموس نحو إقامة الدولة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه بدأ نتنياهو يشعر هو الآخر بهذا الإحساس بالإلحاح ليس فقط جراء الضغط الأميركي، ولكن لأن مستشاريه الأمنيين والعسكريين يحذرونه من أن إسرائيل تقترب من لحظة مواجهة الحقيقة، وأنهم وإن كانوا قد نجحوا في مقاتلة "حماس" إلا أن ذلك ليس كافياً، بل لابد من خطوة سياسية. وأفضل تصرف يمكن أن يتبعه نتنياهو في مواجهة ما قد يتمخض عن تقرير جولدستون، هو أن يقوم بمجهود ملموس وموثوق به من أجل المساعدة على بناء الدولة الفلسطينية. لقد انشغل نتنياهو خلال الشهور الماضية بالملف النووي الإيراني، ولكنه يستطيع الآن أن يترك هذا الأمر للمجتمع الدولي، ويركز جل جهوده على مفاوضات السلام، خصوصاً إذا ما عرفنا أن مستشاريه يؤكدون أن الأوضاع إن كانت في صالح إسرائيل في الوقت الراهن، فإنها لن تظل كذلك طويلا، ما لم يقم هو بالتحرك على مسار السلام. وفي هذه الأثناء يتعين على جورج ميتشل مبعوث أوباما الخاص إلى الشرق الأوسط أن يستخدم مهاراته الدبلوماسية المعهودة، وعناده المعروف، من أجل حث الطرفين على استئناف المفاوضات. ولكنه يجب أن يبني استراتيجيته في هذا الشأن، على خطوات صغيرة ناجحة تم القيام بها مثل إعلان نتنياهو تجميد البناء في المستوطنات، وتنمية الثقة بين قوات الأمن الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، واستغلال النمو الاقتصادي في الضفة . فمثل هذه الإجراءات، كفيلة بزرع الأمل في أن الفلسطينيين يسيرون على طريق الحرية والاستقلال محل اليأس السائد بينهم حالياً.. كما أنها ستساعد على إعادة بناء الثقة حيث لا توجد ثقة، وهو ما سيساعد بدوره على استئناف المفاوضات الضرورية لإنهاء هذا الصراع المرير. مارتن إنديك مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"