مخاطر ثقافة "الخوف" في أوروبا... والفشل ليس خياراً في قمة كوبنهاجن تداعيات نتائج الاستفتاء السويسري حول حظر بناء المنارات، وحدود وحظوظ خطة أوباما الأفغانية، ومخاطر فشل قمة كوبنهاجن حول التغير المناخي، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وصفحات رأي الصحافة الفرنسية. حظر "المنارات"... والتسامح المفقود: في صحيفة لوفيغارو كتب بول هنري ديلمبرت افتتاحية بعنوان: "دروس المنارات" ناقش فيها تداعيات الاستفتاء الذي أيدت فيه الأغلبية حظر بناء المنارات على المساجد في سويسرا، مشيراً إلى أن ثمة مأساة تقبع وراء السجال حول المنارة، وحول المسجد، نراها الآن تتخلق أمام ناظرينا، هي حقيقة أن قطاعات واسعة من الرأي العام الأوروبي بدأت تفتقر إلى قيم التسامح وتعدم القدرة على التعايش مع الآخر، وأسوأ من ذلك كله أنها أخذت تتصرف عملياً في هذا الاتجاه. وعلى رغم هذه الحقيقة الصادمة اعتبر الكاتب أن التصويت ضد بناء المنارات كان يمكن أن ينظر إليه عموماً على أنه عديم القيمة لأن القوى التي وقفت خلفه أساساً كانت قوى عديمة القيمة هي الأخرى. ولكن إذا أردنا أن نفهم ما جرى، وأن نتقدم بالسجال حوله إلى آفاق أرحب وأكثر إيجابية علينا أيضاً ألا نغفل بعض الأسباب التي أدت إليه، والتي جعلته لا يفاجئ سوى أولئك المتحرقين أصلاً لأن يتفاجأوا. وفي مقدمة تلك الأسباب طبعاً الخوف الذي ينتاب السويسريين الذين قالوا "لا"، وهو خوف منشؤه، للأسف، أن الصوت الأعلى منذ عدة سنوات، في صفوف من يتحدثون باسم الإسلام في أوروبا، هو صوت القوى الأكثر إثارة للاستياء، والأشد تطرفاً. وعندما يقول المواطن الأوروبي ظاهرياً "لا" للمنارة، فالمقصود -يقول الكاتب- هو قول "لا" لذلك التيار المتشدد من الإسلام الذي يسهم بدور وافر في تغذية صراع الحضارات، وليس القصد بالضرورة "لا" للمسجد أو المنارة في حد ذاتهما. وألمح الكاتب أخيراً إلى هواجس مشابهة تنتاب قطاعات واسعة من الرأي العام الفرنسي، وإن كانت السمة العامة للحساسية الفرنسية هي أن السجال حول البرقع أو الحجاب أو سواهما، ظل دائماً يدور في فراغ. وفي سياق ذي صلة كتب نائب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية فؤاد علوي مقالاً في صحيفة لوموند حلل فيه أبعاد وخلفيات تشنج الموقف السويسري، داعياً مسلمي أوروبا للانفتاح والعمل سوياً مع غيرهم من أجل تكريس واقع تعايش منسجم، هو الرهان الوحيد الذي يمكن التعويل عليه طريقاً للمستقبل. أوباما وآفاق الالتزام في أفغانستان: الكاتب فرانسوا سيرجان كتب افتتاحية في صحيفة ليبراسيون تساءل في مستهلها إن كانت خطة أوباما الأفغانية الجديدة، التي أعلن عنها مساء الثلاثاء الماضي، كافية وحدها لاجتراح نصر مؤكد في الحرب. فإذا وضعنا في الحساب ما تكتنز به الذاكرة الأفغانية من مشاعر سلبية تجاه التدخلات الغربية ابتداء من اليونان القدامى والإنجليز والروس وصولاً إلى الأميركيين، وزدنا على ذلك المصاعب التي ما زالت تواجه الحكومة الأفغانية، وما تتهم به بعض قطاعاتها من الفساد وعدم الفاعلية، نكون أمام معادلة بالغة التعقيد، تؤثر سلباً على أية استراتيجية أميركية راهنة هناك. وفوق هذا أن الأفغان العاديين ما زالوا حتى الآن يواجهون ذات المصاعب، من فقر مدقع، وانعدام خدمات، وشظف عيش، علماً بأنهم يعتبرون أن مواجهة تحديات إعادة الإعمار هي المبرر الوحيد أصلا للوجود الغربي في بلادهم. أما هنالك في الولايات المتحدة ولدى الحلفاء الأطلسيين، فثمة رغبة في سماع الحديث عن أفق نهاية للحرب، قريب أو حتى بعيد. ومن هنا شعر أوباما، دون شك بصعوبة الإمساك بالعصا من المنتصف، من خلال الانخراط بقوة في الالتزام الأفغاني من جهة، وتدشين الحديث في ذات الوقت عن استراتيجية خروج، حدد لها أفقاً يبدأ في يوليو 2011. وعزفه على هذا الوتر الأخير بالذات سيوّلد طبعاً أجواء إيجابية لدى بعض الأطراف في أفغانستان وباكستان، وأيضاً في واشنطن، التي صرح فيها أحد أبرز محازبي أوباما "الديمقراطيين" مؤخراً، عند عودته من أفغانستان، قائلا: "إنني لا أرى حقاً ما يعنيه الحديث عن نصر مؤكد في هذا البلد". أما صحيفة لوموند فقد التقطت في افتتاحية لها هذا الخيط الأخير، خيط "النصر المؤكد"، الذي تحدث عنه أوباما في خطابه، مشيرة إلى أنه صادف هوى في نفوس خصومه "الجمهوريين" في حين لقي نقداً لاذعاً لدى يسار حزبه "الديمقراطي". وشبهت لوموند حالة أوباما الراهنة بحالة أحد أسلافه في البيت الأبيض، هو ليندون جونسون، حيث كان ينافح بقوة في مطالع الستينيات من القرن الماضي من أجل تدعيم ركائز دولة الرعاية على نحو يذكر بملحمة إصلاح الرعاية الصحية التي يخوضها سيد البيت الأبيض اليوم. ووجه الشبه الثاني بين الرئيسين أن جونسون عرف بحماسه للاستجابة لكل طلبات قادته العسكريين، حيث ظلت الزيادات والإمدادات تنهال على فيتنام. وقد تكشفت تلك التجربة، كما نذكر جميعاً، عن نهاية سيئة للغاية. ولذا فإن أوباما استشعر الخطر من البداية ولذا أعطى نفسه ثمانية عشر شهراً، قبل الحديث عن إمكانية انسحاب. ومع ذلك فإن نجاح خطته الحالية أصبح رهاناً للعالم أجمع، ولذا ينبغي أن ينجح في النهاية. وفي السياق ذاته كتب بيير روسلين افتتاحية في لوفيغارو بعنوان: "أفغانستان: رهان أوباما" قارن فيها بين الخطة الأميركية الحالية وبين أخرى شبيهة كان بوش قد بدأ تطبيقها في العراق في يناير 2007، وهي التي سمحت باحتواء جموح الحالة الأمنية في بلاد الرافدين. وفي ختام افتتاحيته نبَّه الكاتب إلى أن إعلان أوباما عن بداية الانسحاب في يوليو 2011 جاء استجابة لإلحاح الحلفاء الأطلسيين، الذين لن تكون عندهم ذرائع بعد الآن للتهرب من تحمل التزاماتهم تجاه أفغانستان. وإن كان إعلان موعد من هذا القبيل قد ينعكس سلباً أو إيجاباً على معادلات الواقع الداخلي الأفغاني، بحيث ستسعى الحكومة و"طالبان" للإعداد، منذ الآن، لمتطلبات ما بعد الانسحاب. قمة كوبنهاجن... الفشل ليس خياراً: صحيفة لومانيتيه تساءلت في بداية افتتاحية خصصتها لقمة كوبنهاجن القريبة حول المناخ، عما إن كان الفشل سيكون حليف المجتمعين حتماً، أم أن ثمة بارقة أمل، ولو شحيحة، تبقى في الأفق؟ وتعتقد الصحيفة أن الفشل ليس خياراً أمام تحدٍّ كوني جارف، ولكن شرط اجتراح نجاح في مواجهة التغير المناخي هو ألا يُترك الأمر في أيدى الدول الكبرى والأقوياء ولا حتى العلماء وحدهم، بل لابد أن تجتمع جهود التقدميين، وأنصار البيئة، وكل أنصار التنمية والحياة الإنسانية الكريمة على هذا الكوكب، لتشكيل قطب ضغط يحسب له حساب في هكذا قمم واجتماعات دولية. ومن جانبه رصد الكاتب جاك كامي في افتتاحية "لا ربيبليك ديسانتر" دلالة الحركية الملفتة التي وسمت الدبلوماسية الفرنسية استعداداً لقمة كوبنهاجن، والتي تم فيها إرسال الوزير جان لوي بورلو في أسفار تعبئة دولية لا عد لها ولا حصر. بل إن ساركوزي نفسه دخل على الخط ونشط في التعبئة ضمن الدبلوماسية البيئية هذه. وينتهي الكاتب إلى أن ثمة انطباعاً عاماً الآن بوجود رغبة لدى ساركوزي وبورلو في ابتداع لعبة كبيرة جداً تجترح زعامة دولية لفرنسا، بحيث تصبح هي المحرك الأساس لنظام بيئي دولي جديد. إعداد: حسن ولد المختار