تعقد في الكويت قريباً قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ويأتي ذلك في ظل ظروف إقليمية ودولية حساسة تعطي القمة أهيمتها الخاصة. فالقمة تعقد في مرحلة يشهد فيها الخليج العربي تطورات وأحداثاً على عدة صعد أهمها مسار الملف النووي الإيراني، ونوايا الولايات المتحدة الأميركية سحب قواتها من العراق، وما نسمع به في وسائل الإعلام بأن مفاوضات غير معلنة تجري حالياً بين الولايات المتحدة وإيران بهدف التقارب بين الدولتين، وبأن ذلك يسير بخطى متسارعة، وما نشهده من معاناة مستمرة يعيشها الشعب العراقي الشقيق تحدث نتيجة لتردي الأوضاع الأمنية في العراق، وتفاقم أعمال الإرهاب والتفجيرات التي تحصد أرواح العشرات من المواطنين العراقيين، وحاجة العراقيين إلى أبسط ضرورات الحياة الإنسانية الكريمة من أغذية وأدوية واحتياجات معيشية أخرى، وأخيراً ما تتعرض له عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل من تدهور وانعكاسات ذلك على دول المجلس. وعلى ضوء الظروف المقلقة التي تحيط بإقليم الخليج العربي، مطلوب من قمة الكويت السعي إلى المزيد من التعاون الإيجابي بين دول المجلس، خاصة ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة ودول المجلس وبين إيران وهذه الدول. ويعود السبب في ذلك إلى أنه لو صدقت الأنباء التي نسمعها حول تقارب الولايات المتحدة وإيران، ووصلت في نهاية المطاف إلى شكل جديد من العلاقات الإيجابية فيما بين الطرفين، فإن مصالح دول مجلس التعاون،قد تتأثر سلباً أو إيجاباً مما يتوجب على ضوئه أن يبحث المجلس عن صيغ معدلة أو حتى جديدة لشكل ومضمون علاقاته بالدولتين. وبانعقاد قمة الكويت، يكون المجلس قد قطع مسيرة تقارب الثمانية والعشرين عاماً، شهد خلالها تطورات حيال العديد من القضايا السياسية والأمنية، ويعد ذلك مؤشراً مهماً على أن المجلس يستطيع تغيير صورته المعلنة إلى صورة جديدة ذات طبيعة واقعية، سياسية وأمنية أوضح، فالمتعارف عليه رسمياً حتى الآن هو أن المجلس ذو أهداف غير سياسية أو أمنية أو عسكرية، لكن الملاحظ هو أن تلك الأهداف غير المعلنة فرضتها ولا تزال تفرضها الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالخليج، ويتضح الكثير منها ضمناً من خلال البيانات والوثائق الأخرى التي تخرج من أروقة المجلس، أو من خلال الممارسات الفعلية التي تمارسها دول المجلس من خلال أجهزة المجلس الرئيسية. ولا شك بأن دول المجلس تؤمن بأن الطبيعة المتغيرة الحالية للسياسات الدولية في منطقة الخليج العربي، تحتاج إلى البحث عن أفكار ومقولات جديدة وبنى تنظيمية جديدة للتعاون السياسي والأمني والعسكري. ونخلص من ذلك إلى أن دول المجلس ترى بأن بناء كتلة إقليمية قوية وقادرة على التعاون السياسي والأمني والعسكري، ينطلق من بناء كتلة اقتصادية وتجارية واجتماعية وثقافية أولاً، والشواهد على ذلك كثيرة وتتضح من الممارسات والتجارب التي يخوضها المجلس، ويمكن أن تنعكس صور تلك الممارسات من خلال اتفاقيات التعاون المتعددة التي أبرمت في المجالات المعنية منذ تأسيس المجلس. ويمكن الاستفادة من استراتيجية التحرك الجماعي للخروج بمصالح اقتصادية على الصعيد الدولي، وبالتأكيد أن الحوار حول الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وإعادة تشكيل الوضع الاقتصادي العالمي سيشهد نقاشاً في قمة الكويت، التي قد تخرج بالمزيد من المواقف الجماعية بهذا الصدد ما قد يقوي التوجه نحو تشكيل مجموعة تفاوضية مشتركة على الصعد الخارجية. الجماهير الخليجية تنتظر الكثير من قمة الكويت القادمة، لكن تحقيق نجاحات على الصعد المطروحة كافة قد يحتاج إلى مواقف سياسية من نمط جديد واستعداد لتقديم تضحيات، ربما أن البعض غير جاهز لتقديمها بعد.