خرج السفير السعودي لدى الهند غاضباً من قاعة مؤتمر حقوقي دولي حول الإرهاب ُعقد مؤخراً في نيودلهي، وذلك احتجاجاً على تصريحات أدلى بها وزير العدل الهندي السابق "رام جيتمالاني" المنتمي لحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي "اليميني" المتطرف الذي حكم الهند خلال السنوات 1998- 2003، هاجم من خلالها تياراً فكرياً سعودياً واعتبره مسؤولاً عن الإرهاب الإسلامي. ومن المعروف أن حزب "بهاراتيا جاناتا" قد مني خلال الآونة الأخيرة بواحدة من أسوأ الهزائم التي تعرض لها عبر تاريخه، في الانتخابات النيابية التي جرت في ولايات"ماهاراشترا"، و"هاريانا" و" هيما تشال براديش". وقد أدى الفشل التام لمرشحي الحزب في كسب الأصوات من خلال المناورات السياسية القائمة على شق صفوف الأحزاب المنافسة وتقسيمها وفقاً لخطوط هندوسية - إسلامية، إلى إجبارهم على تبني استراتيجية جديدة قد يستطيعون من خلالها استرداد المواقع التي خسروها.وعلى ما يبدو أنهم قد اختاروا استراتيجية لإحراج الحكومة، وحزب "المؤتمر الهندي" الحاكم، من خلال الإدلاء بتصريحات وأقوال غير مسؤولة، يمكن أن تلحق الضرر بعلاقات الهند الثنائية مع الدول الصديقة والمجاورة. وكان الزعيم الهندوسي اليميني المتطرف والوزير السابق "رام جيتمالاني" قد أدلى بالتعليقات غير المرغوبة، وغير المسوغّة في حضور رئيسة الهند السيدة "براتيبها باتيل" التي كانت قد افتتحت المؤتمر. وقد مثل ما قاله الزعيم الهندوسي مثالاً واضحاً على الكيفية التي يمكن بها للتعليقات غير المسؤولة، القائمة على فهم خاطئ، أن تكون سبباً في الإساءة إلى العلاقات الثنائية بين الهند وغيرها من الدول والإضرار بها. ادعاءات " رام جيتمالاني" تأتي على الرغم من أنه أثناء وجود وزارة حزبه اليمينية المتطرفة في الحكم، كان زميله في الوزارة وزير الخارجية "جاسوانت سنج"، هو أول وزير هندي يزور الرياض بعد انقطاع دام عشرين عاماً في محاولة لتوطيد العلاقات مع السعودية، وأنه قد عاد ومعه هدية ثمينة عبارة عن زوج من الخيول العربية الأصيلة. واستمر"جيتمالاني" في هجومه، وعند هذه النقطة خرج السفير السعودي من قاعة المؤتمر غاضباً، ولم يقتنع بالعودة ثانية إلا عندما نهض وزير العدل الهندي"فيرابا مويلي" في رد فعل تلقائي ليقول إن تعليقات "جيتمالاني" لا تعبر إلا عنه هو شخصياً، وليس لها أي علاقة بحكومة الهند، التي تقف ضد أي محاولة لربط الإرهاب بأي دين وقال:" لا يمكن الربط بين الإرهاب وبين أي دين بعينه، فليس هناك من دين يعلم أتباعه الإرهاب". ولا شك أن رد الفعل السريع من جانب الحكومة الهندية للتنصل من ملاحظات "جيتمالاني" تعكس بشكل جلي الاهتمام الكبير الذي تنظر به الهند إلى علاقتها بالمملكة العربية السعودية. لقد كان على "جيتمالاني" أن يراعي قبل أن يدلي بملاحظاته المشينة، أنه يتحدث في مؤتمر دولي تحضره رئيسة الهند شخصياً، كما يحضره أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي في الهند برمتهم، وأن ما يقوله يمثل إهانة لا تغتفر للدين الإسلامي والمسلمين، خصوصاً أن الهند ذاتها دولة تتعايش فيها العديد من الأديان والعقائد جنباً إلى جنب. وهذه التصريحات المسيئة لقيت ردود أفعال غاضبة، ليس فقط من قبل الهنود المسلمين، ولكن أيضاً من الغالبية العظمى من الأحزاب العلمانية. ويعتقد الكثير من المراقبين أن تلك التصريحات تأتي في إطار استراتيجية لحزب "بهاراتيا جاناتا" لإحباط المحاولات التي تقوم بها الحكومة الهندية بقيادة حزب "المؤتمر" لتعزيز علاقات الهند الثنائية مع دول العالم العربي، تلك العلاقات التي تجاهلها حزبه عندما كان في الحكم بسبب تركيزه على علاقاته بإسرائيل، التي وصل بها إلى أبعاد استراتيجية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث عمدت تلك الحكومة إلى تعيين ممثل خاص لها في الولايات المتحدة، ليس من أجل خلق لوبي هندي قوي من بين المواطنين الأميركيين من أصول هندية، ولكن للتنسيق الوثيق وتوطيد العلاقات مع اللوبي الصهيوني هناك. لخيبة أملها تعرضت حكومة "بهاراتيا جناتا" للهزيمة ليس مرة واحدة، وإنما مرتين بسبب رفض الشعب الهندي لآرائها القومية المتطرفة رفضاً باتاً، ورفض سياستها القائمة على تقسيم البلاد وفقا لخطوط دينية. وفي الوقت الراهن، تحاول الحكومة الهندية بقيادة "مان موهان سنج" إعادة العلاقات العربية- الهندية إلى مسارها الصحيح. ففي هذا الإطار عقدت الحكومتان السعودية والهندية اجتماعاً للجنة المشتركة بين البلدين، تم خلاله مناقشة جميع جوانب العلاقات الثنائية بين البلدين، وفتح آفاق جديدة للتعاون، والاتفاق على منح تأشيرات طويلة الأمد ومتعددة مرات الدخول لرجال الأعمال من البلدين من أجل تعزيز العلاقات بينهما في مجالات مثل العلوم والتقنية على سبيل المثال لا الحصر. إن ذلك يبين بوضوح المسار الذي تمضي فيه العلاقات الهندية ـ السعودية. ومن المتوقع في هذا الإطار أن يزور رئيس الوزراء الهندي المملكة العربية السعودية عما قريب، يتم في الوقت الراهن إنهاء التفاصيل الخاصة بتحديد موعد الزيارة. وهناك سؤال يطرح نفسه في النهاية هو: هل كان ما قام به الزعيم الهندوسي القومي المتطرف يندرج في إطار استراتيجية حزبية لتقويض جهود الحكومة الهندية التي يقودها حزب "المؤتمر" الحاكم للوصول بمستوى العلاقات الثنائية بين الهند والسعودية لأبعاد استراتيجية؟ لا شك في ذلك، وهو ما يقلق الوزير الهندي ويقلق حزبه، ويقلق أصدقاءه في اللوبي الصهيوني، الذين راعهم أنه لم تتم أي زيارة سياسية لإسرائيل - حتى ولو على مستوى محدود- من قبل أي مسؤول هندي، وذلك منذ أن تولت الحكومة العلمانية الحالية مسؤوليتها منذ ستة أعوام.