تسعى المنظمات التابعة للمجموعات السياسية، الإسلامية والعلمانية، إلى تقوية وجودها في أوساط الشباب. وقد نجحت المنظمات الإسلامية بالذات خلال العقدين الماضيين في التواصل مع الشباب وتوفير الخدمات التعليمية والثقافية لهم، بما فيها نشاطات ما بعد الدراسة لطلاب المدارس الثانوية والإسكان للطلبة الجامعيين في جميع أنحاء تركيا. وواقع الأمر أن الرئيس الحالي ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان... تم تجنيدهم جميعاً وهم شباب من قبل قسم الشباب لحزب سياسي ذي ميول دينية. ولم تَبرُز منظمات ذات ميول علمانية فعالة، مثل "جمعية فكر أتاتورك" و"مؤسسة دعم الحياة المعاصرة"... سوى مؤخراً، وكبدائل قوية محتملة للأحزاب السياسية القائمة. وهناك أعداد متزايدة من الشباب الذين يدينون بالولاء لهذه المجموعات لأنها توفر آلاف البعثات الجامعية لأبناء الأسر الفقيرة. قضيت السنة الفائتة في جامعة "باهسيسير" باسطنبول، أُجري دراسة ميدانية على أكثر من 1500 طالب وطالبة من الفئة العمرية بين 18 و25 سنة "بهدف توثيق الآثار الاجتماعية والسياسية والنفسية الناتجة عن التوتر السياسي". وواقع الأمر أنه عند سؤال الشباب عن انتماءاتهم الحزبية، وجدنا أن ثلثيهم يعرّفون أنفسهم من خلال "الكمالية"، لكن ثلثاً واحداً فقط كانوا مستعدين للتصويت لحزب علماني. وقد وجدنا أن الشباب رفضوا النموذج السياسي "إما أو"، وأرادوا توجهاً أكثر اتزاناً تجاه الانتماء السياسي. وقد أبدى المستَطلَعون حماسة كبيرة في شرح حقيقة أن معتقداتهم الدينية لا تفرض عليهم بالضرورة وجهات نظر سياسية، وبالمقابل فالحفاظ على عقيدة سياسية علمانية لا يعني التخلي عن الإسلام وتقاليده. وفي الوقت نفسه، أشار الشباب بتعابير واثقة، إلى أنهم يكافحون من أجل إنشاء هذه الهوية الهجينة في جو سياسي أصبح مستَقطباً بشكل متزايد، وهم يشعرون أنهم يتعرضون للتفرقة أحياناً، بسبب معتقداتهم السياسية وليس على عرقيتهم أو نوعهم الاجتماعي. ولسوء الحظ فإنه رغم كون الشباب لا يجدون الخلاف السياسي العلماني الإسلامي ذا معنى في حياتهم، فإنه لا توجد منظمة سياسية رئيسية واحدة مكرسة لرأب الصدع بين الحركات السياسية، العلمانية والإسلامية. وإذا أخذنا بالاعتبار العمق المتنامي في الخلاف والمطالبة بنبرة أكثر تصالحاً في الحوار السياسي، فمما يثير الدهشة أنه لم تبرز بعد أية منظمة أو حزب سياسي يأخذ على عاتقه تلك المهمة. ومن غير الواضح حالياً كيف سيشكل هذا الجيل الشاب صورة المستقبل السياسي لتركيا. لكن ما يتضح من نتائج الدراسة هو أن الشباب التركي لا يجد معنى للخلاف السياسي العلماني الإسلامي في حياته. وواقع الأمر أنهم يجدونه سبباً للضغط والتوتر، ويشعرون بالاضطرار للتأكيد على هوية مختلطة. وبذلك يمكن للشباب التركي أن يغير الحسابات السياسية في تركيا، ويساعدها على الانتقال إلى ما وراء إطار "صراع الحضارات" الذي يؤلّب القيم الإسلامية ضد المثل العلمانية. فهذا الجيل من الأتراك يأمل في سبيل ثالث، لذلك يتوجّب علينا مراقبته. سلجوق سيرين أستاذ مساعد في علم النفس التطبيقي بجامعة نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كومون جراوند"