يبدأ انعقاد المؤتمر الدولي للتغير المناخي، والذي ترعاه الأمم المتحدة، يوم السابع من ديسمبر الجاري في كوبنهاجن. وليس متوقعاً لهذا المؤتمر أن يصل إلى أي اتفاقيات ملزمة قانوناً فيما يتصل بالحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي. وتعتبر السيطرة على هذه الانبعاثات الغازية حاسمة ولا مناص منها لخفض معدل ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض خلال القرن الحالي. ويتطلب تحقيق هذا الهدف التزام الدول المتقدمة على وجه الخصوص بإجراء خفض كبير لانبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2020. وفيما لو لم تف الدول الصناعية المتقدمة بهذا الالتزام، فسوف يصعب من الناحية العملية أن نطالب الدول النامية بإجراء الخفض المطلوب لانبعاثاتها من الغازات نفسها، ما يعني وصول درجات حرارة الأرض إلى معدل مخيف، سوف تكون له نتائجه الكارثية في أجزاء مختلفة من الكرة الأرضية دون شك. ومن حسن الحظ أن الولايات المتحدة الأميركية والصين -وكلتاهما تتصدران قائمة الدول عالمياً من حيث نصيب كل منهما في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات بيت الزجاج- سوف تحضران مؤتمر كوبنهاجن، وقد اتفقتا فيما بينهما على تقديم أهدافهما وحلولهما لمشكلة التغير المناخي. غير أن واجب تحديد هذه الأهداف يظل قائماً، مع عدم وجود أي أمل في الوقت الحالي لأن يكون هذا الخفض جزءاً من أي اتفاق دولي. وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فمن المتوقع أن يواجه الرئيس أوباما معارضة قوية من قبل الكونجرس لتمرير أي تشريع مضاد للانبعاثات الكربونية والغازية، بالنظر إلى التكلفة الاقتصادية القصيرة المدى لأي تشريع من هذا النوع، بصرف النظر عن الوعود التي يقطعها أوباما على نفسه في كوبنهاجن. وهذه هي المعضلة التي يواجهها قادة كافة الدول الصناعية المتقدمة الحاضرون في المؤتمر. فكلما زادت فعالية الاستراتيجيات الهادفة للحد من انبعاثات الغازات، كلما ارتفعت تكلفتها قصيرة المدى، مالية كانت أم سياسية. أما على المدى البعيد، فمن المتوقع أن تكون التكنولوجيا الجديدة الخضراء عاملاً رئيسياً يسهم في تراكم الثروات والتقدم. وفي الوقت نفسه يتوقع للحد من معدلات التلوث البيئي أن يسهم كثيراً في توفير المنافع الصحية وسعادة المجتمعات ورفاهها على المدى البعيد. لكن المعضلة الرئيسية هي أن العالم بدأ يتعافى للتو من تأثيرات أسوأ أزمة ركود اقتصادي يشهدها منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وعليه فإن أولوية غالبية الدول هي تسريع معدلات نموها الاقتصادي قبل أي شيء آخر. وتعني هذه الأولوية ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة، خاصة الكهرباء والوقود اللازم للنقل. وفي حين أحرزت بعض الدول تقدماً باهراً في الحد من مستوى اعتمادها على موارد الطاقة الأحفورية -مثل الدنمارك- إلا أن موارد الطاقة الأحفورية، لاسيما النفط والفحم الحجري والغاز الطبيعي، تظل الخيار المفضل لغالبية الدول. والمعروف عن الفحم تَوفُّرُه بكثرة فضلاً عن كونه مصدراً رخيصاً للطاقة، غير أنه الأسوأ تلويثاً للبيئة في ذات الوقت. وبالمقارنة، تنخفض كثيراً انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغاز الطبيعي، بينما يزداد الطلب عليه، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا والصين والهند. ومما يثير السخرية هنا، أن روسيا التي تتوفر فيها موارد النفط والغاز والفحم الحجري، قررت زيادة اعتمادها على إنتاج الفحم لتوفير الطاقة الكهربائية المستهلكة محلياً، حتى تتمكن من تصدير كميات أكبر من غازها الطبيعي لأوروبا، والتي تطالب بالحصول على مورد الطاقة الأكثر نظافة بالطبع. وعليه فإنه بينما تنهمك أوروبا في تنظيف سمائها وأجوائها من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، فمن المتوقع أن تنهمك روسيا في تلويث سمائها وأجوائها في الجوار. وفي أنحاء واسعة من منطقة الشرق الأوسط، يلاحظ أن ارتفاع الطلب الهائل على الطاقة الكهربائية، أدى إلى ارتفاع الطلب على النفط والغاز الطبيعي لتلبية الحاجة المتنامية للكهرباء. كما يلاحظ أن هذا الاتجاه زاد من حاجة هذه الدول إلى الطاقة النووية أيضاً. وتمثل الحالة الإيرانية نموذجاً دالا هنا، بسبب اعتقاد الكثيرين بتجاوز طموحات طهران لمجرد الحصول على الطاقة النووية السلمية وحدها. وعلى الرغم من الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يحققها انتشار محطات توليد الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط، إلا إن ذلك الانتشار يحمل معه مخاطر تحويل الطاقة السلمية لخدمة أهداف عسكرية. غير أن أجواء الحماس تسيطر الآن على شركات الطاقة الأميركية بسبب اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي على امتداد الساحل الشرقي الأميركي. وربما تكفي كميات الغاز الطبيعي التي تحملها تلك الصخور لسد حاجة الولايات المتحدة من الطاقة لتسعين عاماً مقبلة، ما يعني تقليل اعتماد أميركا على واردات الغاز الطبيعي، وبالتالي توجه تلك الصادرات إلى أوروبا ليقلل بدوره من اعتماد أوروبا على صادرات الغاز الروسي. لكن يجب القول إن استخراج الغاز الطبيعي الكامن في الساحل الشرقي الأميركي ربما يصحب معه تكلفة بيئية كبيرة هو الآخر. خلاصة القول، إن التحدي الرئيسي الذي يواجهه قادة العالم الذين سيجتمعون الأسبوع المقبل في كوبنهاجن، هو اتفاق الجميع تقريباً على أن نظافة وخضرة العالم تصبان في مصلحة الجميع على المدى البعيد، لكن قلة هم الذين يبدون استعداداً يذكر لتحمل تكلفة خضرة ونظافة العالم اللتين تنشدهما البشرية. مهما يكن فإن قمة كوبنهاجن سوف توفر منبراً لتطبيع علاقة الكل، ومعرفته بهذه القضايا البيئية الحساسة التي تؤثر على مستقبل البشرية والحياة كلها في كوكب الأرض. وفوق ذلك يمكن القول إن التنسيق الجاري بين واشنطن وبكين، وعملهما المشترك على حل معضلة المناخ العالمي، يمثلان الخطوة الأولى المهمة نحو تجسير فجوة المفاهيم القائمة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية فيما يتعلق بمعضلة التغير المناخي.