في سياق تخوفات المحللين الأميركيين من نذر الأزمة الاقتصادية المالية الحالية، وجه المستثمر ديفيد روبنشتاين -المؤسس المشارك لمجموعة شركات كارلايل- سؤالاً إلى عدد من أصدقائه أثناء حوار دار بينهم في خريف عام 2007: أي المجالات تعتقدون أن لبلادنا قصب السبق فيها على مستوى الاقتصاد العالمي؟ ومن بين الحضور في ذلك الحوار من أشار إلى القطاع العقاري، وكان قريباً من الإجابة الصحيحة إذا ما أخذنا في الاعتبار فقاعة ذلك القطاع ونموه الهائل في حينه، ثم ما ترتب على انفجار تلك الفقاعة من انهيار مالي اقتصادي مدو، تطلب تدخل الحكومة على نحو غير مسبوق لإنقاذ المؤسسات المالية والاقتصادية الأميركية المنهارة. وسرت العدوى نفسها لتشمل حكومات معظم دول العالم الصناعي المتقدم، بل وحتى حكومات بعض الدول النامية التي ساهمت في إنقاذ اقتصاداتها الوطنية. بيد أن القطاع العقاري السكني لا يمثل رغم مساهمته الكبيرة في الأزمة الحالية، الإجابة الدقيقة عن السؤال المطروح من قبل روبنشتاين الذي يرى في الأسهم الخاصة المجال الذي تتقدم فيه أميركا على غيرها من دول العالم مالياً واستثمارياً. وهذا ما يحذر منه جوش كوزمان مؤلف كتاب "الاستحواذ على أميركا: كيف تسبب الأسهم الخاصة الأزمة الائتمانية العظمى القادمة"، والذي نعرضه هنا. وموجب التحذير هو الفشل الكامن في أنشطة الشركات الأميركية العاملة في قطاع الأسهم الخاصة. وبما أن هذه الشركات تشغل نحو 10 في المئة من مجموع العاملين في القطاع الخاص، فإن بوسعها إلحاق أذى بالغ بالاقتصاد الأميركي في حال انهيارها مثلما حدث لفقاعة القطاع العقاري. والسبب كما يرى الكاتب أن شراء أو تمويل الاستثمارات الخاسرة في القطاع، عادة ما تستتبعه ديون وفوائد مالية كبيرة. غير أن تناول المؤلف للموضوع يختلف عن الأدبيات الاقتصادية السابقة التي تناولت بالدراسة والتحليل والتوثيق وضع عشرات الشركات الأميركية التي تم الاستحواذ عليها خلال عامي 2006-2008 عبر شراء أصولها وأسهمها من قبل شركات أكثر نجاحاً وقدرة على الصمود في الأجواء الاقتصادية المضطربة. فهو يتناول الأمر هنا من زاوية نقدية لا سردية بعد أن أدرك حقيقة أن معظم الروايات السابقة عن أنشطة الشراء والاستحواذ هذه لم تكن سوى القشرة السطحية الخارجية لعمليات اقتصادية مالية أشد عمقاً ظلت تجري في بنى وهياكل الاقتصاد القومي الأميركي منذ عدة عقود خلت. ويؤيد هذا التحليل النقدي ما كُشف عنه في سياق دراسة مسببات الأزمة المالية الاقتصادية الحالية، باعتبارها تجلياً عرضياً لظواهر وأزمات أشد عمقاً وكموناً في طبيعة النظام الرأسمالي نفسه. ضمن هذا المنهج الانتقادي يوثق المؤلف لعشرات الشركات والمؤسسات الكبرى التي تم الاستحواذ عليها، بما فيها عدد من المستشفيات ومصانع الأثاث والشركات المصنعة لقطع السيارات، بعد أن تأثرت خدماتها ومنتجاتها سلباً بانهيار استثمارات الأسهم الخاصة، وعانى عاملوها وموظفوها الأمرين جراء ذلك الاستحواذ، سواء بخسارتهم لوظائفهم أم خفض رواتبهم أم تسريحهم في إجازات مفتوحة. وكثيراً ما تعذر ذلك التعافي المنتظر وغرقت الشركة أو المؤسسة في بحر الإفلاس التام. ولم يكف المؤلف عبر كتابه كله عن تذكير القراء بمدى المعاناة التي واجهتها قطاعات واسعة بسبب استحواذ "بارونات الأسهم الخاصة" على المؤسسات والشركات خدمة لمصالحهم الأنانية الضيقة. والخطير في نشاط هؤلاء البارونات هو أن شراء أحدهم لمؤسسة ما لا يتطلب بالضرورة خسارتها. فما أكثر الشركات والمؤسسات التي تم الاستحواذ عليها وهي في أوج نجاحها الاستثماري. والمؤلم كما يقول إن شراء مثل هذه المؤسسات الواعدة الفتية عادة ما يتم بترتيب المصالح الخاصة المشتركة بين مدراء الشركات التنفيذيين وبارونات الاستحواذ. وبالنتيجة تباع مؤسسة كان يمكن أن تقدم خدمة كبيرة لملاكها وللاقتصاد القومي بصفة عامة، مقابل أثمان بخسة لا تتعدى حفنة لا تذكر من الدولارات. هذا هو موضوع التحذير الرئيسي الذي يشدد عليه الكاتب. فما انهارت أسواق "وول ستريت" وغيرها من كبريات المؤسسات المالية والاقتصادية العملاقة في الأزمة المالية الحالية، إلا نتيجة الجشع والشره الذي لا يكف للمال... إلا نتيجة لتغليب المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة القومية العامة. عبدالجبار عبدالله الكتاب: الاستحواذ على أميركا: كيف تسبب الأسهم الخاصة الأزمة الائتمانية العظمى القادمة المؤلف: جوش كوزمان الناشر: مجموعة بنجوين للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2009