تشي الزيارات المتوالية الأخيرة التي أداها ثلاثة مسؤولين أميركيين إلى باكستان في غضون ثلاثة أسابيع بالعلاقات المضطربة بين البلدين، فقد فشلت واشنطن في الوفاء باستراتيجيتها الإقليمية التي وعدت بإقرارها، فيما ساهم التوتر المتزايد مع إسلام آباد في إبطاء إعلان الرئيس أوباما عن خطته بشأن أفغانستان. وليس خافياً في الحقيقة الدور المهم لباكستان ضمن أية استراتيجية ينوي أوباما تطبيقها في أفغانستان، ولذا كان الباكستانيون ينتظرون من أوباما أن يدفع ضيفه رئيس الوزراء الهندي مانهومان سينج، لإبداء قدر أكبر من المرونة تجاه إسلام آباد، وإن كان على الباكستانيين أن يدركوا أيضاً الحاجة إلى تقديم بعض التنازلات الضرورية إذا كانوا يريدون لمنطقة جنوب آسيا توديع مشاكلها المزمنة. ففي زيارتهم الأخيرة إلى باكستان تعهد كل من وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، ومستشار الأمن القومي "جيمس جونز"، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية "ليون بانيتا"، بالضغط على الهند للتحرك في القضايا الإقليمية التي تهم إسلام آباد، ودفعها لتبني مواقف إيجابية، غير أن المشكلة بالنسبة للجيش في باكستان هي عدم ثقته في الوعود الأميركية، ما اضطره إلى الضغط على الحكومة المدنية للتقليل من مواقفها المؤيدة لأميركا. وتكمن أهمية باكستان لإنجاح استراتيجية أوباما الأفغانية المرتقبة في الدور الكبير الذي سيلعبه الجيش الباكستاني في تأمين قوافل الشاحنات التي تزود الجيش الأميركي، والتي لابد أن تمر عبر الأراضي الباكستانية بسبب افتقار أفغانستان لواجهة بحرية. هذا بالإضافة إلى حاجة واشنطن لتعاون باكستاني وثيق لاستهداف مخابئ الإرهابيين على الحدود. أما بالنسبة للجيش الباكستاني الذي يمارس نفوذاً كبيراً على الحكومة المدنية فهو لا يريد من الولايات المتحدة أن تسحب قواتها من أفغانستان، لكنه في الوقت نفسه لا يرغب في رؤية زيادة كبيرة في عدد الجنود الأميركيين، لخشيته من نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان إلى باكستان واستفزاز "طالبان" باكستان لرفع السلاح ضد الحكومة وتهديد استقرار البلاد بعدما تتبين مدى إيجابية دور الجهات الرسمية الباكستانية في الاستراتيجية الأميركية. ومع أن الجيش الباكستاني قد حقق مؤخراً نجاحاً ملحوظاً في مواجهته مع "طالبان" والقوى المتطرفة المتحالفة معها بفتحه لجبهة معارك في المناطق الشمالية الغربية وإخراجها من معاقلها القوية في جنوب وزيرستان، إلا أن الجيش يتردد كثيراً في الإقرار بوجود "طالبان" أفغانستان بالمناطق الباكستانية واختراقها للحدود لتتلقى دعماً من القبائل المشتركة بين البلدين. ولن تستطيع القوات الأميركية مهما بلغ عددها القضاء على "طالبان" في جنوب وشرق أفغانستان دون تدخل باكستان لقطع الطريق على الرجال والموارد التي تصل إلى "طالبان" الأفغانية، ولذا فإذا استمر تواجد أميركا في أفغانستان ونجحت خلال السنوات القليلة القادمة في استئصال "طالبان" بمساعدة باكستانية، فلن يتردد الجيش في الوقوف مع الغرب والانخراط في استراتيجيته بالمنطقة. ولكن في المقابل إذا شرع أوباما في الحديث عن استراتيجية وشيكة للخروج كما تريد ذلك العديد من الأطراف في الولايات المتحدة وأوروبا فإن المرجح في هذه الحالة هو أن يدفع الجيش الباكستاني الرئيس كرزاي، إلى القبول بصفقة تتوسط فيها باكستان لتشكيل حكومة موالية لإسلام آباد بمشاركة "طالبان". ومع أن الجيش الباكستاني لا يحمل أي ود للمتطرفين الإسلاميين، إلا أنه يفرق بين "طالبان" الأفغانية التي ينظر إليها كحليف محتمل في أفغانستان باعتبار أنها قد تصبح موالية لإسلام آباد، لاسيما في حال فشلت الجهود الأميركية وتعطلت الاستراتيجية، وبين "طالبان" باكستان التي يعتبرها خطراً حقيقياً على الدولة يتعين القضاء عليه والتعامل معه بحزم. والحقيقة أن "طالبان" بفصيليها الباكستاني والأفغاني يوحّد بينهما تحالفهما مع "القاعدة" واعترافهما معاً بسلطة زعيم "طالبان" أفغانستان، الملا محمد عمر، كوجه بارز في المواجهة ضد القوات الغربية. ومع أن عناصر فصيل "طالبان" الناشط في أفغانستان حريصون على عدم المشاركة في محاربة الحكومة الباكستانية مع حلفائهم من عناصر "طالبان" باكستان، إلا أنهم لا يخفون أيضاً رغبتهم في رؤيتهم يسيطرون على المناطق القبلية حتى تتوسع قواعدهم الخلفية داخل باكستان وتقوى شوكتهم في استهداف القوات الأميركية في أفغانستان. ويتخوف الجيش الباكستاني من أن استقدام المزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان سيتسبب في الكثير من المشاكل على الحدود، فمنذ وصول 20 ألفاً من القوات الأميركية إلى أفغانستان في شهر مارس الماضي بدأت أعداد متزايدة من المقاتلين تغادر في اتجاه أفغانستان لمحاربة الأميركيين، وفي كل ذلك تظل المصلحة الرئيسية للجيش الباكستاني هي إطلاق المباحثات الهندية- الباكستانية حول كشمير والقضايا الأخرى التي توقفت بعد الهجمات الإرهابية في مومباي خلال السنة الماضية، بالإضافة إلى التفاوض مع الهند لتقليص نفوذها في كابول الذي تعتبره باكستان أساس المشاكل سواء المتخيلة أو الحقيقية في أفغانستان. والمشكلة أنه على رغم تعهدات أميركا بإشراك جميع الدول المجاورة لأفغانستان في استراتيجيتها تجاهلت الهند الولايات المتحدة واستراتيجيتها الإقليمية، مشترطة قضاء باكستان أولا على الجماعات الإرهابية التي تستهدف الهند من البنجاب وكراتشي، هذا في الوقت الذي تطرح فيه أيضاً إيران وروسيا والصين مشاكل إضافية بالنسبة للمبادرة الأميركية. واليوم تتنازع كل من الهند وباكستان على موقعهما ضمن الاستراتيجية الأميركية، فإسلام آباد تقول إنها ستساند الخطة الأميركية إذا استبعدت الهند، فيما تروج هذه الأخيرة لتحالف إقليمي يضمها إلى جانب إيران وروسيا دون إشراك باكستان، وهو الموقف الذي يصعّب المهمة على القوات الأميركية وحلفائها في "الناتو"، ويعرقل الطريق إلى استتباب السلام والاستقرار في أفغانستان. ولتفادي أزمة إقليمية تفضي إلى زحف "طالبان" على المزيد من المناطق الأفغانية يحتاج أوباما إلى الوفاء بالتزامه الذي قطعه على نفسه في شهر مارس الماضي والمتمثل في إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان لدعم حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى الخبراء المدنيين وتخصيص أموال أكثر لأعمال إعادة الإعمار والتنمية. كما أن عليه أيضاً إشراك الهند وباكستان معاً، والمساعدة في الحد من خلافاتهما، إذ لا يمكن لأية استراتيجية أميركية أن تنجح في أفغانستان دون استراتيجية إقليمية شاملة، وهو ما يفرض على الولايات المتحدة إقناع الهند بإبداء المزيد من المرونة إزاء باكستان، فيما تضغط على هذه الأخيرة لتقليص نشاط الجماعات الإرهابية التي تعمل من أراضيها حتى ينجح الخصمان اللدودان في بناء حد أدنى من الثقة. أحمد رشيد ــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي باكستاني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"