من الصعب تقدير مدى ونوعية الإعاقات المختلفة التي تصيب أفراد الجنس البشري، لأن الإعاقة في مفهومها العام، لا تقتصر على كونها حالة وضعية مقصورة على ضعف الإمكانات الجسدية للفرد، وإنما هي أيضاً مجموعة من الظروف الصحية التي تؤثر على قدرة الفرد في التفاعل مع البيئة المحيطة به. ومما يزيد الموقف تعقيداً، أن محاولات تحديد رقم معين لعدد المعاقين في دولة ما، وفي العالم إجمالا، تصطدم باختلاف التعريف بين دولة وأخرى. فمثلا في المنظور الحقوقي المدني، والممثل في قانون الأميركيين ذوي الإعاقات، نجد أن التعريف يعتمد على ثلاثة محاور رئيسية. المحور الأول ينظر للإعاقة على أنها: قصور بدني أو عقلي، يعيق المصاب به وبدرجة ملحوظة، عن القيام بواحد أو أكثر من نشاطات الحياة الرئيسية. أما المحور الثاني، فيعتبر وجود سجل للإعاقة، مماثلا لوجود إعاقة حالية. بينما ينص المحور الثالث، على أن الاعتبار الخاطئ بأن الشخص مصاب بإعاقة، تعادل وجود إعاقة فعلية. وبالنظر لهذه المحاور الثلاثة، نجد أن مثل الأمر هنا يتعلق بمنظور قانوني بدرجة كبيرة، وهو ما يظهِر أيضاً مدى درجة التعقيد التي يمكن أن نصادفها في محاولة تعريف الإعاقة، بشكل عام. ولكن، على رغم كل هذه المحاذير في التقديرات، يوجد اتفاق شبه عام على أن عدد المعاقين في العالم يزيد عن 650 مليون شخص، أو عشرة في المئة من مجمل أفراد الجنس البشري البالغ عددهم حالياً 6.5 مليار شخص، وهو ما يعني أن واحداً من كل عشرة أشخاص مصاب بدرجة ما من الإعاقة. ومن بين هؤلاء، يوجد 100 مليون من المصابين بإعاقات متوسطة أو شديدة، بينما تعاني البقية الباقية من إعاقات بسيطة. ولذا نجد أنه في بلد مثل الولايات المتحدة، البالغ عدد سكانها 300 مليون نسمة، يوجد حالياً 32 مليون معاق فوق سن الثامنة عشرة، وخمسة ملايين آخرون من الأطفال والمراهقين دون سن الثامنة عشرة. وإذا ما أضفنا إلى هؤلاء عدد الأشخاص المصابين بقصور أو محدودية بدنية أو عقلية، ودون أن يرقى قصورهم إلى درجة الإعاقة الكاملة، فسنجد أن العدد الإجمالي لهؤلاء يتخطى الخمسين مليون شخص. وهو ما يجعل المعاقين الأميركيين، ثالث أكبر أقلية في الولايات المتحدة، بعد الأميركيين من أصول أفريقية، والأميركيين من أصول لاتينية. ويوجد حالياً اتفاق عام على أن الإعاقات بأنواعها المختلفة، تنتشر بشكل أكبر في الدول الفقيرة والنامية، مقارنة بالدول الغنية والصناعية. ولا يقتصر الاختلاف بين هاتين الفئتين على مدى انتشار الإعاقات بين السكان فقط، بل يمتد أيضاً إلى القضايا الأخرى المتعلقة بالإعاقة مثل الحقوق السياسية، والدمج الاجتماعي، وحق المواطنة. فعلى سبيل المثال، انتقل النقاش والحوار في الدول الغنية من محاولات تقييم التكلفة المالية والاقتصادية لدعم المعاقين المعتمدين على أشخاص آخرين، إلى بذل الجهود لمحاولة العثور على طرق وسبل للتأكيد على مشاركة المعاقين في المجتمع، وإسهامهم في جوانب الحياة الإنسانية المختلفة بشكل دائم وفعال. أي أن نقطة التركيز في التعامل مع قضية الإعاقة على المستوى المجتمعي، لم تعد كيفية توفير المصادر المالية والبشرية التي تحتاجها هذه الفئة الديموغرافية، وإنما كيفية تفعيل إمكانيات وطاقات هذه الفئة، كي تصبح شريحة فعالة ومساهمة في المجتمع مثلها مثل باقي الفئات. وهذا الاتجاه في التفكير دائماً ما كان يحتل موقعاً مركزياً في فعاليات اليوم العالمي للمعاقين، الذي يشهد إحياء لذكراه السنوية في الثالث من شهر ديسمبر كل عام. وتسعى الفعاليات التي تقام كل عام في هذا اليوم، إلى التركيز على ضرورة تحقيق العدل والمساواة للجميع، بما في ذلك المعاقون. فمنذ نشأة الأمم المتحدة وهذه المبادئ تشكل جزءاً لا يتجزأ من الأسس التي قامت عليها المنظمة، كونها مكوناً أساسياً من كرامة الإنسان، سواء كان صحيح البدن والعقل، أم معاقاً مصاباً بشكل أو آخر من أشكال الإعاقة. ولذا تم إدراج هذه المبادئ ضمن الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعاقين (Convention on the Rights of Persons with Disabilities)، التي ترمي إلى تحقيق العدل والمساواة للجميع. غير أن هذا الهدف أحياناً ما يعيقه عدم إدراك العامة وصانعي القرار لمدى انتشار الإعاقات بين أفراد الجنس البشري، وضخامة عدد من يعانون منها. وهذا الوضع يتضح من حقيقة أن 45 دولة فقط توجد لديها حاليا قوانين لحماية حقوق المعاقين، وهو ما يعني أن أكثر من ثلثي دول العالم لا توجد لديها مثل هذه القوانين من الأساس. ولكن في ظل التزايد المستمر في أعداد المعاقين حول العالم لا يتوقع أن يستمر هذا الوضع المخزي كثيراً. وتعود هذه الزيادة المطردة في أعداد المعاقين إلى عدة أسباب، منها زيادة متوسط أعمار أفراد الكثير من المجتمعات، وما يترافق عادة مع الشيخوخة من زيادة في معدلات الأمراض المسببة للإعاقة، أو نتيجة لـ"تمديُن" المجتمعات البشرية بوجه عام، أي تحولها من حياة الريف إلى حياة المدن، مما يزيد من احتمالات التعرض للإصابات بالأجهزة والمعدات ووسائل المواصلات الحديثة، أو بسبب التطورات والاختراقات التي شهدها مجال الطب والعلاج وما ترتب عنه من القدرة على الإبقاء على حياة أشخاص مصابين بإعاقات شديده، أو غير ذلك من الأسباب التي تفقد المرء بعضاً من قدراته الجسدية أو النفسية. د. أكمل عبدالحكيم