من المرتقب أن يعلن أوباما قريباً عن إرسال قوات أميركية إضافية إلى أفغانستان، في خطاب من المرجح أن يشدد على أهمية التقدم السياسي هناك على اعتبار أن المشروعية هي أهم نتيجة لاستراتيجية محاربة التمرد. وللأسف، فإن جل النقاش تجاهل الدور الذي يمكن لقوات عسكرية إضافية أن تلعبه في بناء الشرعية وحكومة فعالة في استراتيجية لمحاربة التمرد؛ والحال أن إرسال قوات إضافية يمنحنا قوة وامتيازا نظرا لأن القوات العسكرية ضرورية وأساسية بالنسبة لنجاح أي استراتيجية سياسية لأنها تساهم مباشرة في تحسين الظروف الأمنية. التجربة الأميركية في العراق تُبرز كيف ساعدت القوات والدبلوماسية الأميركية على تصحيح سلوكيات الحكومة على نحو ساعد على تحييد المجموعات المتمردة. ففي أوائل 2007، كان العديد من الزعماء العراقيين يستعملون وسائل الدولة ومواردها لدعم فرق الموت الطائفية، وكانت الحكومة المتعطلة لا تستطيع تأمين السكان أو تمرير القوانين أو توفير الخدمات لشعبها؛ ولكن تطبيق استراتيجيةٍ لمحاربة التمرد وُفرت لها كل الإمكانيات وعُبئت لها كل الطاقات – أمر ساهم فيه إرسال ستة ألوية محاربة أميركية إضافية – حوَّل الحكومة العراقية في غضون 18 شهراً. حينها، جادل مناوئو "الزيادة" بأن العراقيين "سيتقدمون" سياسياً وعسكرياً فقط إذا علِموا أن القوات الأميركية سترحل؛ غير أن الزعماء السياسيين والسكان في العراق، وقبل أن يلتزموا بالانخراط في المعركة، قيموا ما إن كانت القوات الأميركية ستمكث هناك لفترة طويلة بما يكفي لتأمينهم. وإذا كان العراقيون قد أحرزوا تقدما في نهاية المطاف، فلأن الولايات المتحدة لم تطرح شروطا أو آجالا زمنية بخصوص مستويات قواتها هناك. والواقع أنه لو أن الحكومة الأفغانية كانت شرعية بالكامل، لما كان ثمة تمرد. ولذلك يجب أن تهدف التحركات الأميركية والدولية إلى تحسين قدرات الحكومة الأفغانية على توفير الخدمات الأساسية مثل الأمن وحل النزاعات وبناء شرعية الحكومة في كابول بما يكفي لتقليص تمرد واسع النطاق. إن إضافة قوات أميركية بأعداد كبيرة سيساعد كثيراً لأنه من المهم جداً توفير الأمن للشعب الأفغاني ولأن استمرار العنف وترهيب المتمردين وحملات البروباجندا يخلق شعوراً قوياً بانعدام الأمن الذي يضعف الحكومة. ومثلما رأينا في العراق وبعض أجزاء أفغانستان، فإن تقلص أعمال العنف يمكن أن يبطئ أو يوقف تآكل شرعية الحكومة، كما يمكن أن يخلق الفضاءَ المناسب لحل التوترات الرئيسية التي تغذي أعمال العنف، وذلك عبر التفاوض أو بناء مزيد من الهياكل الحكومية الفعالة، وكلاهما لا يمكن أن يحدث بدون استباب الأمن. إن القوات العسكرية الأميركية تساهم مباشرة في الجهود الرامية إلى النهوض بالمؤسسات الأفغانية. ففي أفغانستان، مثلما في العراق، تصبح القوات الدولية شريكة ومرافقة لوحدات الجيش والشرطة، حيث تستطيع القوات الأفغانية أن تتعلم عبر الاستماع لتوجيهات المدربين وعبر رؤية طريقة اشتغال أفضل جيش في العالم والكيفية التي ينجز بها لتلك المهام. كما تستطيع الوحدات الأميركية أن تمنع الأنشطة غير القانونية، مثل الابتزاز، الذي قد تنخرط فيه القوات الأفغانية في حال غيابها. وتستطيع القوات الأميركية أيضاً أن تساعد على كبح جماح السياسيين الذين يستغلون السلطة، وعلى تطوير صورة جديدة لهياكل السلطة المحلية، مثل الهياكل التي يستغل فيها مسؤولون أفغان السلطة لتأجيج التمرد. كما يستطيع الأميركيون جمع الأدلة ضد المخالفين للقانون بحيث يكون بوسع نظام قضائي أفغاني أن يستعملها ضدهم يوما ما مستقبلاً؛ على أنه يمكن على المدى القصير، نشر مثل هذه الأدلة قصد إحراج المتورطين. ولأن جزءاً كبيراً من الفساد يتعلق بالمخدرات، فإن الولايات المتحدة وشركاءها تستطيع استعمال الآليات القانونية الدولية لمتابعة المسؤولين الأفغان في أنظمة قضائية ناضجة يمكن الاعتماد عليها. كما يمكننا أيضاً أن نهدد بإضافة أسوأ المخالفين للقانون لقوائم المستهدَفين في الحالات التي يدعم فيها استغلال السلطة العدو مباشرة. فهذه المقاربة، إذا استعملت بشكل ممنهج، مثلما حدث في العراق، من شأنها أن تغيِّر بشكل دراماتيكي سلوك شبكات الأفراد الذين يسيئون استعمال السلطة. أما أن نجعل إرسال قوات إضافية مرهونا بسلوك الحكومة الأفغانية، فذاك أمر يأتي بنتائج عكسية، وذلك لأن عدم إرسال القوات يقلص قدرتنا على السيطرة على العنف ورصد وتحديد شبكات الفساد، كما يشجع الزعماءَ الأفغان على الإحجام عن الالتزام بدعم أهدافنا. وإضافة إلى ذلك، فإن الإعلان عن أن التزامنا العسكري يتوقف على أشياء هي ليست تحت سيطرتنا يُضعف ثقة الأفغان في قوتنا، مما يقلص بشكل دراماتيكي احتمال أن يقفوا إلى صفنا ضد الأعداء. إن رهن المساعدة والدعم بالشروط يصبح أمرا أكثر منطقية حين يطبَّق على المساعدات المالية، مثلما ألمحت إلى ذلك وزيرة الخارجية الأميركية مؤخراً. فأفغانستان بلد يعاني من فقر مدقع ويعتمد على المساعدة الدولية حتى يشتغل. وبالتالي، فإن التهديد بحجب كل المساعدة عنه سيكون عملًا ينم عن الجنون؛ على أن البلدان المانحة تستطيع تحديد أهداف معينة لتقليص الفساد وتحسين فعالية وزارات وحكومات محلية معينة، حيث يمكن جعل استمرار المساعدة لتلك المؤسسات مرهوناً بتقدمها نحو مستوى معين من الشفافية والفعالية. على أنه يمكن تعليق المساعدة أو خفضها بالنسبة للوزارات أو البلديات، التي من المعروف أنها تدار من أجل خدمة مصالح أعضاء مهمين من شبكات الفساد، كوسيلة لدفع كرزاي إلى إزالتهم من السلطة. إن الحكومة في أفغانستان لن تتحسن طالما القوات الأميركية غير قادرة على توفير الأمن للشعب وتحسين قدرات القوات الأفغانية؛ كما أنها لن تتحسن طالما أن الأفغان يعتقدون أن الولايات المتحدة ليست جادة في جهودها. وقد فشلت الولايات المتحدة منذ 2005 في تزويد الجهد العسكري بما يكفي من الموارد؛ ومع ذلك، فإنها كانت تتوقع ظهور حكومة أفغانية فعالة وناجحة؛ غير أن هذه الاستراتيجية ساهمت في ظهور الأزمة الحالية. ولذلك، فإنه يجدر بأوباما أن يتبنى مقاربة محاربة التمرد التي اقترحها الجنرال ستانلي ماكريستل ويوفر لها أسباب النجاح. فريديريك كاجان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مدير "مشروع التهديدات الأساسية" بـ"معهد أميركان إنتربرايز" الأميركي كيمبرلي كاجان رئيسة "معهد دراسة الحرب" الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"