قبل خمس سنوات تخطت الصين بريطانيا لتحتل المرتبة الرابعة، كأكبر اقتصاد عالمي، وذلك بعد أن احتلت المرتبة الخامسة لعدة سنوات، وفي العام الماضي، تجاوز الاقتصاد الصيني الاقتصاد الألماني لينتقل إلى المركز الثالث بعد اقتصاد كل من الولايات المتحدة واليابان. التقديرات الأولية تشير إلى أن الصين سوف تتجاوز اليابان اقتصادياً في العام القادم 2010 لتأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، وذلك قبل خمس سنوات من التوقعات السابقة، والتي أشارت إلى حدوث مثل هذا التحول بحلول عام 2015. وإذا استمرت الصين في تحقيق معدلات النمو المرتفعة هذه في العقدين القادمين، كما هو متوقع، فإنها سوف تزيح الاقتصاد الأميركي عن عرشه الذي احتله منذ ستين عاماً، إذ يتوقع أن يحدث ذلك في عام 2040 أو قبل ذلك إذا لم يتمكن الاقتصاد الأميركي من تسريع معدلات النمو وتجاوز الصعوبات الهيكلية التي يعاني منها. ولم تقتصر توجهات الصين على هذا الجانب بتحويل اقتصادها إلى أكبر اقتصاد عالمي خلال الثلاثين عاما المقبلة، بل إنها دعمت ذلك بتوجهات استراتيجية تمثلت في الاستثمار بصورة مكثفة في اكتشاف وتطوير مصادر الثروات الطبيعية، بما فيها النفط والغاز في مختلف بلدان العالم، وبالأخص في القارة الأفريقية. ويبدو أن الصين بدأت تتحسب لليوم الذي ستصبح فيه القوة الاقتصادية الأولى في العالم، إذ لا يمكن أن يتحقق ذلك من دون الحصول على امدادات مضمونة في مجال الطاقة، وحتى لا ترى نفسها في تبعية للأطراف العالمية المنافسة لها. من هنا نرى الاستثمارات الضخمة في قطاع النفط والغاز والذي تقوم به شركة البترول الصينية "بتروتشاينا" في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، حيث أصبحت تنافس شركات البترول العالمية العريقة في هذه الصناعة. في المقابل وجدت الصين تجاوباً كبيراً من البلدان النامية التي تتوفر لديها مكامن الثروات الهايدروكربونية، فـ"بترتشاينا" تقدم شروطاً أفضل فيما يتعلق بامتيازات النفط، كما أن تكاليف المنشآت المرافقة لعمليات الإنتاج والنقل والتصدير لا يمكن مقارنتها بالتكاليف الباهظة للشركات الأوروبية. وعلى الجانب الآخر من الصورة يمكن ملاحظة توجه البلدان النفطية التقليدية للاستثمار المشترك في الأسواق الصينية، حيث أقيمت العديد من مصافي تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية في الصين بمساهمة من رؤوس الأموال الخليجية والأجنبية بشكل عام. أما البلدان النامية الفقيرة التي لا تملك قدرات مالية تؤهلها لتطوير ثرواتها الطبيعية الغنية، كالبلدان الأفريقية، فقد قررت الصين من خلال "منتدى الصين أفريقيا" استثمار عشرة مليارات دولار في القارة السمراء في غضون السنوات الثلاث القادمة، مما سيتيح تطوير العديد من مرافق البنية التحتية ومصادر الثروات الطبيعية المعتمدة عليها. وللحقيقة، فإن توقعات الخبراء الاقتصاديين تتفاوت حول مدى قدرة الصين على إزاحة الولايات المتحدة، كقوة اقتصادية أولى في العالم، وهناك جدل مستمر حول احتساب الفروقات بين حجم الاقتصادين الأميركي والصيني ومعدلات النمو فيهما، إلا أن النظرة الاستراتيجية الصينية، والتي أشرنا إليها باختصار تشير بوضوح إلى أن الصين ماضية بعزم على بلوغ هذا الهدف، وهي تعمل جاهدة على اختصار المسافة قدر ما تستطيع. هذا التحول متى ما حدث سيغير الكثير من المعادلات والتوازنات العالمية والاقليمية، مما يتطلب من كافة البلدان والقوى الاقتصادية في العالم إعادة حساباتها، فعلى سبيل المثال أزاحت الصين الولايات المتحدة، كشريك تجاري أول لليابان في السنوات القليلة الماضية، مما ترتب عليه إعادة تقييم علاقات اليابان الخارجية، بما فيها تخفيف حدة التوتر مع الصين بسبب مخلفات الحرب العالمية الثانية، إذ على هذا المنوال سيتم في السنوات القادمة رسم خريطة التحالفات العالمية بما يستجيب ومراكز القوى الاقتصادية الجديدة في العالم.